تساؤلات حول خطاب عباس في الأمم المتحدة

بعد شهور من الحديث عن خطوة التقدم بطلب عضوية الأمم المتحدة، والتمجيد ب”الاستحقاق” الذي سيقدم عليه الفلسطينيون في شهر أيلول/سبتمبر من على منبرها، وبعد “المعارك” السياسية الطاحنة التي قادتها السلطة الفلسطينية لحشد الدعم الدولي للخطوة المرتقبة وتحدي الفيتو الأمريكي المنتظر، أخيراً وقف السيد محمود عباس بصفته رئيساً لدولة فلسطين ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية امام الجمعية العامة وتلا خطابه الذي وصف بالتاريخي.

أحد الأصدقاء قال لي أن عباس بدا في الخطاب (الذي –وللأمانة- لم تتح لي فرصة مشاهدته، ولكن قرأته عبر صفحات الانترنت) شخصاً آخر، “فكمُّ الجمل الوطنية في خطابه أوحى لي (والكلام له) أن المتكلم هو فلان الفلاني (أحد قيادات المقاومة) وليس محمود عباس”. الإعلامي المعروف الأستاذ عبد الباري عطوان وصف بدوره الخطاب ب”القوي” منتظراً رؤية التطبيق.

لا يستطيع منصف أن ينكر أن خطاب السيد محمود عباس تضمن الكثير من النقاط المهمة ولم يهادن الكيان الصهيوني بل انتقد “سياسة الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني”، وتحدث عن فشل المفاوضات في شكلها الحالي، وعن اللاجئين والأسرى، والقدس، وغزة والضفة..الخ. ولا نستطيع أن نغفل أن لجهة الخطاب كانت قوية ونبرته مرتفعة عما تعودنا عليه سابقاً. كل ذلك ينبغي أن يذكر ويقدر للرجل. لكننا يجب ألا نغفل أيضاً بعض الإشارات والتلميحات والعبارات التي تضمنها الخطاب، ونراها من وجهة نظرنا خطيرة للغاية، نورد هنا أهمها:

أولاً: ذكر السيد عباس في خطابه مرات عدة أنه يتكلم باسم الشعب الفلسطيني، وباسم دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ونتساءل هنا: هل استشير الشعب الفلسطيني من خلال فصائله وشخصياته المستقلة ومؤساته المدنية قبل قرار التوجه للامم المتحدة؟ بل هل شُرِح له بكل وضوح وشفافية ما ستتضمنه الخطوة، وفرصها ومخاطرها في حالتي النجاح والفشل؟ نتساءل اليوم: إلى متى سيظل الشعب الفلسطيني مهمشاً ولا يستفتى حتى قبل خطوات مصيرية (كما وصفت) مثل هذه؟ ألم يكن درس أوسلو كافياً؟

ثانياً: تحدث السيد عباس عن حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194. مرة أخرى نتسائل: ما هو هذا الحل العادل والمتفق عليه؟ وما الفرق بينه وبين “حق عودة جميع اللاجئين لمدنهم وقراهم التي هجروا منها”(الصيغة المتفق عليها بين الفلسطينيين شعبياً وفصائلياً)؟؟ إن كانوا سواءً فلماذا تغيير اللفظ؟ وإن كان أمراً آخر فما هو؟ وهل قبله وأقره أو سيقبله الشعب الفلسطيني؟ أليس هذا تفريطاً في حق العودة المقدس؟ إن القضية الفلسطينية ذات أبعاد عديدة، لكن أحداً لا ينكر أن أهمها وعمودها هو قضية اللاجئين- الوجه الآخر للنكبة والشاهد الأكبر عليها. فكيف يمكن الحديث عن حل للقضية الفلسطينية دون عودتهم؟

ثالثاً: يقول السيد عباس أن هدف الشعب الفلسطيني هو إقامة دولة فلسطين المستقلة .. فوق جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ويفترسنا السؤال: منذ متى كان هدف الفلسطييين دولة؟ وأي دولة؟ هل مشكلة الشعب الفلسطيني في عدم وجود دولته أم في احتلال أراضيه وتشريده؟ ألم يكن هدف الشعب الفلسطيني وما يزال تحرير الأرض وعودة اللاجئين؟

رابعاً: يقول السيد عباس –إضافة إلى النقطة السابقة- أنهم (كقيادة منظمة التحرير) وفي خطوة مؤلمة وبالغة الصعوبة (!) صادقوا على إقامة دولة فلسطين فوق 22% من أراضي فلسطين التاريخية، وأنهم بتحركاتهم هذه لا يستهدفون عزل “إسرائيل” أو نزع شرعيتها. وهذا أمر يدحض من ناحية ما كان يتردد على لسان قيادات السلطة عن عدم اعتراف المنظمة بالكيان الصهيوني على 78% من الأرض الفلسطينية، ومن ناحية أخرى يثير التساؤل عن مدى تمثيل أقوال السيد “الرئيس” لمبادئ وثوابت وأفكار وحقوق شعبه.

خامساً: أعلن السيد عباس في خطابه تمسكه بخيار التفاوض واستعداد المنظمة للعودة على الفور إلى طاولة المفاوضات…  نقول: ألم تكفكم وتكفنا عشرون عاماً منذ مدريد؟ ألم تثبت المفاوضات فشلها؟ ألم يؤكد الصهاينة مرات ومرات أن آخر ما يريدونه هو إعطاء الفلسطينيين ولو بعض حقوقهم؟ ما فائدة التوجه لطلب العضوية إذا كنتم تعلنون عن نيتكم قبول العودة للمفاوضات في حال نجح المسعى أو فشل؟ أين يصنف هذا الكلام في عالم السياسة الذي يتضمن مبادئ المناورة وأوراق القوة والضغط والصمود؟

سادساً: أكد السيد عباس تمسك المنظمة والشعب الفلسطيني (!) بنبذ العنف ورفض وإدانة كافة أشكال الإرهاب (!)، في حين امتدح المقاومة الشعبية السلمية (المتوافقة مع القانون الدولي حسب قوله). ألا يتضمن قوله هذا إدانة لمقاومة الشعب الفلسطيني ورفع الغطاء عنها؟ ألا يعطي الذرائع للصهاينة للاعتداءات المتكررة والاغتيالات؟ ألا يشجع كلامُ “الرئيس” المجتمعَ الدولي على إدانة العمليات الفدائية ضد الجنود الصهاينة والمستوطنين حتى في الأراضي المحتلة عام 1967 (والتي بالمناسبة تتفق مع القانون الدولي باعتبارها أراض ٍ محتلة)؟

باختصار نقول: إن خطاب السيد عباس أمام الأمم المتحدة كان قوياً ومهماً في الكثير من جوانبه، لكنه تضمن نقاطاً وإشاراتٍ خطيرة جداً تتضمن التفريط ببعض حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني مثل التنازل عن حق العودة والمقاومة والاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل عن 78% من أرض فلسطين، لذلك نؤكد أن السيد محمود عباس كان يتكلم باسم السلطة الفلسطينية ولم يكن يتكلم باسمنا نحن الشعب الفلسطيني، خاصة اللاجئين منا.

 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

المجلس الوطني السوري والتحديات الجسام

المقالة التالية

وطار القلب يسبقه الفؤادُ

المنشورات ذات الصلة