تركيا ومعركة سيف القدس: الموقف والتداعيات المستقبلية
مركز الزيتونة
ملخص تنفيذي
فتحت معركة “سيف القدس” مرحلة جديدة مختلفة نسبياً في الصراع مع الكيان الصهيوني، وخصوصاً على صعيد علاقات الفلسطينيين وفي مقدمتهم قوى المقاومة مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، وموقف هذه الأطراف من الاحتلال واعتداءاته على الفلسطينيين ومن القضية الفلسطينية عموماً.
وتعد تركيا قوة إقليمية صاعدة وكذلك دولة مسلمة وصديقة للفلسطينيين، ولها علاقات جيدة مع المقاومة الفلسطينية ولا سيما حركة حماس التي قادت المعركة الأخيرة من خلال موقع ذراعها العسكري كتائب القسام لغرفة العمليات المشتركة، فضلاً عن علاقاتها مع عدد من الأطراف المؤثرة في القضية الفلسطينية أو المهتمة بها.
تبحث هذه المادة في موقف تركيا من معركة “سيف القدس”، ومدى اختلافها عن مواقفها من الاعتداءات والحروب السابقة، وتقييم هذا الموقف – لا سيما فلسطينياً – بعد تحليل أسبابه، والآفاق الممكنة لتطويره مستقبلاً.
مقدمة
في العاشر من شهر أيار/مايو الفائت بدأت معركة “سيف القدس” بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وهي الحرب التي أطلقها الأخير رداً على صواريخ تحذيرية من المقاومة باتجاه القدس. فقد تزامنت عدة تطورات هي خطة الاحتلال لإجلاء سكان حي الشيخ جراح في القدس، وتسهيل مسيرة علنية وكبيرة للمستوطنين في المسجد الأقصى فيما يدعى “يوم القدس الموحدة”، وإغلاق باب العمود في المسجد الأقصى، ما استدعى ردّات فعل فلسطينية عديدة، كان من بينها تهديد المقاومة الفلسطينية وتحديداً كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالرد على ذلك[1].
استمرار الاحتلال في خطواته وتصعيده في المسجد الأقصى وتعامله العنيف مع المصلين والمرابطين فيه عَقِبَهُ إطلاق صواريخ المقاومة باتجاه مدينة القدس، وهو ما رد عليه الاحتلال بإطلاق عملية أسماها “حارس الأسوار” ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة[2]. وقد ردّت الأخيرة بإطلاق عملية “سيف القدس”[3].
توقف إطلاق النار بعد 11 يوماً من إطلاق العملية أي في الـ 21 من أيار/مايو الفائت إثر وساطة مصرية ودون اتفاق نهائي لتثبيت التهدئة[4]، وهو ما ترك لوقت لاحق من خلال التواصل المصري مع المقاومة والاحتلال، ما دفع الكثيرين لعدِّ التهدئة هشة وقابلة دائماً للانهيار[5]، لا سيما بعد تشكيل حكومة جديدة للاحتلال تركت نتنياهو لمقاعد المعارضة واحتمالات السجن بسبب ملفات الفساد التي تلاحقه[6].
في الحصيلة المباشرة لجولة التصعيد هذه، ارتقى حوالي 280 شهيداً فلسطينياً إضافة لآلاف الجرحى في غزة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، مقابل 12 قتيلاً “إسرائيلياً” وعشرات الجرحى، فضلاً عن الدمار الذي لحق بالمباني السكنية والبنى التحتية والمراكز الطبية الفلسطينية[7].
وقد اتفقت معظم التقييمات على أن هذه الجولة من المواجهة كانت مختلفة واستثنائية من حيث بعض تمظهراتها وكذلك نتائجها وارتداداتها. وقد تبدى ذلك في الترابط الذي تبلور خلالها بين القدس وغزة، وكذلك ظهور المقاومة الفلسطينية كحامية للكل الفلسطيني بشرياً وجغرافياً وسياسياً، والقدرات المتعاظمة للمقاومة[8]، ودخول مناطق الـ 48 داخل الخط الأخضر على خط المواجهة بشكل غير مسبوق، وحضور المقاومة في مشهد بدء المواجهة وختامها بما أعطاها تفوقاً واضحاً فيها[9]، وانتهائها بخسارة نتنياهو معركة تشكيل الحكومة رغم أن ذلك كان أحد أهم دوافعه في جولة التصعيد.
كما أن الكثير من التقييمات ذهبت إلى أن معركة “سيف القدس” سيكون لها تداعيات على المشهد الداخلي الفلسطيني، وعلاقات الفصائل الفلسطينية ولا سيما حماس العربية والإقليمية والدولية، وكذلك على الصراع مع الاحتلال.
استثنائية المعركة من هذه الزوايا دفعت لتقييم الفواعل الإقليمية المختلفة من هذه الزاوية، وبمعايير تقييم تختلف جزئياً عن الاعتداءات السابقة والمواجهات التي حصلت قبل ذلك بين الاحتلال والمقاومة، ومن بين هذه الأطراف تركيا لعدة اعتبارات ستأتي تفصيلاً.
تركيا والمقاومة الفلسطينية
لطالما كان موقف تركيا من القضية الفلسطينية جدلياً لا سيما في السنوات الأخيرة، لما يشتمل عليه من تعقيدات متداخلة وتناقضات ظاهرية. حيث ما زالت تركيا تملك علاقات مع الكيان الصهيوني رغم تراجعها في السنوات الأخيرة، وما زالت علاقاتها التجارية معه في نمو رغم الجفاء السياسي، ولها في نفس الوقت علاقات طيبة مع فصائل المقاومة الفلسطينية ولا سيما حماس، وكذلك مع السلطة الفلسطينية.
يعني ذلك أن أنقرة لها علاقات أكثر من جيدة مع طرفي المشهد الفلسطيني الداخلي (حماس وفتح أو السلطة)، ومستوى من العلاقات كذلك مع الكيان الصهيوني عدو الفلسطينيين والمعتدي عليهم، فضلاً عن السقف المرتفع لخطابها تجاه الأخير.
وفي الأصل فإن الموقف التركي من القضية الفلسطينية محكوم بعدة محددات من بينها الخلفية التاريخية للعلاقات مع الكيان الصهيوني حيث كانت أول دولة مسلمة تعترف به وتنسج معه علاقات تحالفية[10]، وعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي وعلاقاتها مع الكتلة الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ذلك أيضاً الروابط التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية مع الفلسطينيين، وكون الدولة العثمانية آخر دولة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية قبل الانتداب البريطاني ثم إعلان الكيان الصهيوني، فضلاً عن التعاطف العابر للشرائح الاجتماعية والسياسية والفكرية مع القضية الفلسطينية. وفي الموقف السياسي، فإن تركيا ملتزمة بحل الدولتين والمبادرة العربية للسلام[11].
هذا الإطار العام لمحددات الموقف التركي من القضية الفلسطينية تضاف له خصوصيتان:
الأولى، القدس لما لها من أهمية خاصة لدى الأتراك، دينياً وتاريخياً وكذلك للآثار العثمانية الموجودة فيها.
الثانية، غزة والملف الإنساني فيها بعد الحصار[12].
وفيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية، تحتفظ أنقرة بعلاقات أكثر من جيدة مع عدد من الفصائل في مقدمتها حركة حماس. تقليدياً، تبرر تركيا علاقاتها بالأخيرة بأنها حركة سياسية منتخبة من الشعب الفلسطيني[13]، وتشجيعاً لها للانخراط في حل سياسي للقضية[14]. لكن السنوات الأخيرة شهدت استخدام الرئيس التركي مصطلحات المقاومة – وخصوصاً مقاومة الظلم – لوصف حماس[15].
هذه المحددات وغيرها صاغت موقفاً تركياً معقداً من القضية الفلسطينية وكذلك تجاه الاحتلال. فمن جهة تعلن أنقرة رغبتها في تطوير العلاقات معه محمّلة حكومته مسؤولية تردّيها، ومن جهة ثانية لا تكاد تمرر عدواناً أو مشروعاً استيطانياً أو انتهاكاً للحقوق الفلسطينية دون أن ترفع السقف في مواجهة الاحتلال. وقد شهدت الاعتداءات “الإسرائيلية” السابقة في 2008 و2012 و2014 مواقف تركية متقدمة في انتقاد العدوان ووصف “إسرائيل” بـ”دولة الإرهاب” وما إلى ذلك[16].
الموقف التركي من سيف القدس
بالعودة لموقف تركيا قبل معركة “سيف القدس” وخلالها، ينبغي الإشارة إلى أن الاهتمام بموقفها ينبع من كون تركيا دولة إقليمية صاعدة، ومنخرطة في عدة قضايا وملفات إقليمية هامة، ودولة مسلمة في المقام الأول، إضافة لعلاقاتها الغربية وعضويتها في حلف الناتو، وسقفها المرتفع تقليدياً في وجه الاحتلال، وعلاقاتها الجيدة مع الفلسطينيين سلطةً ومقاومة.
ومن العوامل التي تزيد من أهمية تقييم موقف تركيا، أن المواجهة الأخيرة أتت في ظل تصريحات أشارت لرغبتها في تحسين العلاقات مع الاحتلال. فقد قال أردوغان نفسه بأن بلاده تريد تطوير العلاقات مع “إسرائيل” محمّلاً حكومة نتنياهو وسياساتها تجاه الفلسطينيين مسؤولية عدم حصول ذلك[17]. كما قال مستشار الرئاسة للسياسة الخارجية أسعد جاشين بأن بلاده مستعدة لذلك وأنها لا تريد أزمة جديدة مع الاحتلال متوقعاً عودة العلاقات الدبلوماسية في آذار/مارس 2021[18]. كما أن بعض المصادر توقعت تعيين سفير تركي في تل أبيب مع جملة التعيينات الدبلوماسية في الشهر ذاته، وقد طرح اسم السفير المتوقع والذي لم تعلن أنقرة لاحقاً عن تعيينه[19].
وأخيراً، أتى التصعيد الأخير قبيل اللقاء المنتظر بين الرئيسين التركي والأمريكي على هامش قمة الناتو في بروكسل، وهي اللقاء الذي سعت أنقرة بما تملك لإنجاحه وتجنب أي أزمة جديدة مع إدارة بايدن خلاله. وقد كان واضحاً أن موقف تركيا من التصعيد كان له ارتداد على العلاقات مع واشنطن، فقد أدانت الأخيرة ما عدَّته عداءً للسامية في تصريحات أردوغان[20]، بينما قال الأخير إن الدول الداعمة للاحتلال شريكة في ظلمها للفلسطينيين[21].
رسمياً، صدرت مواقف منددة بالعدوان “الإسرائيلي” على القدس ثم غزة وما اقتُرِفَ خلال المعركة من جرائم من مختلف المستويات السياسية، الرئاسة والبرلمان والحكومة والأحزاب السياسية. فعلى صعيد الرئاسة التركية، وصف الرئيس رجب طيب أردوغان دولة الاحتلال بأنها “دولة إرهاب” واتهمها بارتكاب جرائم حرب على مرأى ومسمع العالم أجمع[22]. كما هاجم أردوغان الدول التي دعمت الكيان خلال المعركة واصطفت إلى جانبه، محمّلاً إياها مسؤولية مشتركة عن الجرائم المرتكبة.
كما هاتف أردوغان كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وأجرى اتصالات وحوارات بخصوص الأمر مع عدد كبير من رؤساء وقيادات دول عربية ومسلمة وعالمية، في مقدمتها قطر والأردن والكويت وماليزيا والباكستان وروسيا فضلاً عن منظمة التعاون الإسلامي[23].
وأعلن أردوغان أن بلاده سوف “تدعم القدس كما دعمت أذربيجان” سابقاً خلا حرب تحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني[24]، وقدم مقترحات تتعلق بالقضية الفلسطينية عموماً والقدس على وجه الخصوص، مثل توفير حماية دولية للفلسطينيين وإدارة القدس من قبل هيئة مشكلة من الديانات السماوية الثلاث[25].
ودعا الرئيس التركي إلى تدفيع الاحتلال “الإسرائيلي” ثمن الجرائم التي يرتكبها ضد الفلسطينيين[26]، الأمر الذي عرّضه لانتقادات من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة. اتهام واشنطن بـ”معاداة السامية” ردت عليه أنقرة بحدة، من خلال تصريحات عدد من المسؤولين منهم الناطق باسم العدالة والتنمية الذي وصف الاتهامات الأمريكية بـ”الكذبة”[27].
رئيس البرلمان مصطفى شانتوب كرر بدوره اتهام دولة الاحتلال بممارسة “إرهاب الدولة”[28]، ونظم البرلمان برئاسته جلسة خاصة “للتضامن مع الفلسطينيين وإدانة جرائم الاحتلال”[29]، وأصدر البرلمان بياناً يدين الاعتداءات “الإسرائيلية” وقعت عليه الأحزاب المنضوية تحت قبته وهو أمر نادر الحدوث بسبب الخلافات البينية الداخلية[30].
وقد صدّرت الأحزاب كذلك بشكل منفرد مواقف تضامن مع الفلسطينيين وإدانة للاحتلال. فوصف الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك ما يفعله الاحتلال بـ”الوحشية” و”الانتهاك الصارخ للقانون والأعراف الدولية” مطالباً العالم يوقف العدوان[31]. وأكد زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو استمرار حزبه في دعم الفلسطينيين واصفاً ما تقوم به دولة الاحتلال بـ”المجزرة”[32].
من جهته قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي إن “الإرهاب الإسرائيلي بلغ حدوداً لا تطاق” داعياً لمحاكمة نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية[33]. كما صدرت مواقف مشابهة من رئيس الحزب الجيد ميرال أكشنار ونائب رئيس الدولة فؤاد أوكتاي والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين ورئيس دائرة الاتصال فيها فخرالدين ألتون وعدد من الوزراء ورئيس الشؤون الدينية علي أرباش[34]، كما دعا رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو الأحزاب التركية للتوحد من أجل القدس والحكومةَ إلى خطوات عملية لدعم الفلسطينيين[35].
شعبياً، تصدر العدوان “الإسرائيلي” على القدس ثم غزة عناوين نشرات الأخبار التركية وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي وخصصت مختلف وسائل الإعلام ساعات لتغطية الأحداث بشكل موسع[36]. كما شهدت مختلف المدن التركية مظاهرات حاشدة للتنديد بالعدوان “الإٍسرائيلي”، وقد نظمت المظاهرات رغم “الإغلاق الكامل” في البلاد بسبب جائحة كورونا وهو ما عنى ضمناً تسهيلاً رسمياً للمظاهرات، وتركزت المظاهرات في أنقرة وإسطنبول أمام سفارة الكيان وقنصليته[37].
وإضافة لمواقف سجلها عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني، فقد خصصت رئاسة الشؤون الدينية خطبتـَيْ العيد والجمعة خلال المعركة عن فلسطين، مع لدعاء للفلسطينيين وجمع التبرعات لهم[38].
تداعيات
ملخص كل ما سبق، وغيره، أن تركيا صدّرت موقفاً مرتفع السقف من العدوان الصهيوني على القدس ثم على قطاع غزة في معركة “سيف القدس”، وهو موقف بدا موحداً سياسياً وشعبياً ومن مختلف الشرائح والتوجهات.
ورغم ذلك، كان ثمة تقييم أن الموقف التركي كان جيداً ولكن غير كافٍ، أو على أقل تقدير لم يرتق لما يكافئ المعركة الدائرة وما كان منتظَراً من تركيا. فالموقف في مُجمله كان خطابياً وسياسياً/دبلوماسياً وإعلامياً مكرراً، شبيهاً بمواقف تركيا من الاعتداءات السابقة على غزة، في حين أن الكل متفق على أن المعركة الأخيرة مختلفة تماماً عن كل سابقاتها.
هذا التقييم ورد على لسان رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوار في لقائه مع وكالة الأناضول، حين أثنى على موقف أنقرة وشكره لها، لكنه أكد انتظار ما هو أكثر منها، وبما يليق بمعركة القدس التي هي معركة تركيا كما هي معركة الفلسطينيين وفق تصريحه[39].
في التحليل والقراءة، يبدو أن علاقات تركيا المتراجعة مع مصر والتي لم تصل بعد محاولاتُ ترميمها لنتيجة ملموسة حالت دون إيصال مساعدات إنسانية وإغاثية للقطاع كما حصل في مرات سابقة. كما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي أظهرت اهتماماً واضحاً بجولة التصعيد وسعت لإيقافها عبر بعض حلفائها في المنطقة، قد حرصت على استبعاد أنقرة ومنعها من لعب دور محوري، ومن دلائل ذلك تجنب بايدن الاتصال بأردوغان خلال جولة التصعيد واستثناء وزير خارجيته تركيا من جولته في المنطقة[40].
في خطابه الأول بعد وقف إطلاق النار، لم يأت رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية على ذكر تركيا بالنص بين الدول والأطراف التي شكرها بشكل مباشر. قرئ ذلك من قبل البعض على أنه زلة لسان وخطأ غير مقصود بسبب طبيعة خطابات الرجل الارتجالية، لكن البعض أيضاً فهم أنها رسالة عتب من هنية وحركته لتركيا، من باب انتظار ما هو أكثر منها[41].
وفيما بدا حرصاً من حماس على نفي هذا الاحتمال الثاني، فقد خص هنية إحدى قنوات التلفزة التركية (خبر تورك) بحديث تلفزي مطول، أثنى خلاله على الدور التركي. بل وأكد هنية على أن مقترحات الرئيس أردوغان بخصوص الحماية الدولية وإدارة مدينة القدس إضافة لفكرة ترسيم الحدود البحرية مع تركيا مواضيع يمكن مناقشتها مع أردوغان بشكل مباشر لدى لقائه[42]. كما حرص رئيس الحركة في غزة، السنوار، على أن يكون أول لقاء له بعد الحزب مع وسيلة إعلام مع وكالة الأناضول التركية، وقد كرر خلال اللقاء نفس المعاني تقريباً[43].
في المقابل، لم يُعلن عن حصول أي اتصال هاتفي أو لقاء مباشر أو افتراضي بين أردوغان وهنية بعد وقف إطلاق النار حتى لحظة كتابة هذا التقدير، وهو أمر يُعزى جزئياً إلى أجندة الأول المزدحمة وحرص بلاده على إتمام لقائه مع بايدن على هامش قمة الناتو في أيار/مايو الفائت بشكل سلس، لكنه أيضاً يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان ذلك ردة فعل على خطاب هنية الذي أسقط تركيا – لفظاً – من قائمة الشكر بشكل صريح.
كما أن تركيا أعلنت لاحقاً، منتصف شهر حزيران/يونيو الفائت، عن توصلها لاتفاق مع السلطات المصرية لإيصال مساعدات إنسانية لقطاع غزة[44].
آفاق مستقبلية
إذا كانت القراءة في تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات بعض قيادات حماس تشير إلى أن موقف تركيا من العدوان الأخير مقدر ومشكور ولكن هناك توقع وانتظار ما هو أكثر، بما يرتقي لمرحلة مع بعد “سيف القدس” وكذلك لمكانة تركيا وإمكاناتها وما هو متوقع منها، فإن البحث ينبغي أن ينصب على ما هو فعلاً المطلوب منها مستقبلاً، وكذلك على كيف يمكن تحقيق ذلك.
في نظرنا، فإن هناك مسارات يمكن تبني تركيا لها بما يرفع سقف موقفها ويعطيه زخماً إضافياً عملياً، إضافة للسياقات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والإغاثية سالفة الذكر. ومن البديهي أن المنتظر من تركيا يفترض أن يضع في الحسبان علاقاتها الدولية وعضويتها في حلف الناتو وغيرها من العوامل.
من هذه المسارات على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً، التراجع عن مسار تطوير العلاقات مع الاحتلال، بل وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما، بغض النظر عن سقوط نتنياهو وتشكيل حكومة مختلفة.
ثانياً، قيادة محور من دول صديقة للفلسطينيين لتشكيل لوبي ضاغط على الدول الداعمة للاحتلال، وكذلك لرفع سقف المنظمات الدولية (مثل الأمم المتحدة) بخصوص القضية الفلسطينية على المدى البعيد.
ثالثاً، تطوير العلاقات بمختلف أنواعها ولا سيما السياسية مع المقاومة الفلسطينية بما يناسب المكاسب التي حصلت عليها بعد المعركة ويوفر لها شبكة أمان سياسية.
رابعاً، المقاطعة الاقتصادية والتجارية للكيان الصهيوني، على الأقل في البعد الرسمي إن لم يمكن على صعيد القطاع الخاص.
خامساً، المقاطعة الأكاديمية والثقافية والسياحية (وأنواع أخرى) للكيان الصهيوني.
سادساً، تطوير المساعدات لتركز على تقوية صمود الشعب الفلسطيني وتطوير البنية التحتية في قطاع غزة، ورفد الأخير بمعدات الدفاع المدني والإنقاذ التي يحتاجها خلال العدوان وجولات التصعيد.
خاتمة
ما زال وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال هشاً ويمكن أن ينقضه الأخير في أي وقت، فضلاً عن أن سياسة العدوان لديه متى ما وجد هدفاً مناسباً معتمدة ولم يطرأ عليه تغيير. كما أن نتائج معركة “سيف القدس” تبشر بمرحلة جديدة ومختلفة في القضية الفلسطينية على عدة صعد من بينها مواقف الأطراف الإقليمية والدولية والعلاقات معها.
ومن هاتين الزاويتين، الميدانية والسياسية، بات لزاماً على الفلسطينيين ولا سيما قوى المقاومة أن تعمل على استثمار نتائج المعركة فيما يتعلق بمواقف هذه الأطراف، لزيادة أوراق قوتها وإضعاف الاحتلال.
ومن الأمور التي ينبغي العمل عليها إيصال رسالة للاحتلال بأن سياساته العدوانية والجرائم التي يرتكبها لا/لن تمر دون أن يدفع ثمناً، سياسياً كان أم اقتصادياً أم على صعيد العلاقات مع مختلف الأطراف أم غير ذلك من السياقات.
ولأن موقف أي طرف إقليمي أو دولي ليس معطى جامداً وإنما عملية تتأثر بالمعطيات الميدانية والسياسية، فإنه يمكن بعد متغيرات “سيف القدس” وبكثير من التخطيط والعمل والتواصل رفع سقف عدد من الأطراف تجاه القضية، ومن بينها تركيا، خصوصاً وأن المطروح على المدى القريب – أقله – يقع في إطار الممكن.
[1] قائد القسام يتوعد بالرد على اعتداءات الاحتلال بالشيخ جراح، عربي 21، 4 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 28 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3dFID48
[2] غزة: الاحتلال يطلق عملية “حارس الأسوار” والمقاومة تتوعد، العربي، 11 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 28 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/2Tyiu0f
[3] “المقاومة” بغزة تطلق اسم “سيف القدس” على عملياتها ضد إسرائيل، الأناضول، 11 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 28 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3hvvjAr
[4] وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية، الشرق الأوسط، 21 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3heLhjJ
[5] مع استمرار التحذيرات الإسرائيلية .. هل تعود الاشتباكات مجدداً إلى قطاع غزة؟، سبوتنيك، 27 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/2UTOLiH
[6] بينيت يطيح بنتنياهو من رئاسة وزراء دولة الاحتلال، الخليج الجديد، 13 حزيران/يونيو 2021، (تاريخ الدخول: 29 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/2V98ifr
[7] سعيد الحاج، “سيف القدس” تفتح فصلاً جديداً في القضية الفلسطينية، الجزيرة نت، 28 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3hgU5pk
[8] المصدر السابق.
[9] أبو عبيدة يحذر إسرائيل: أعددنا ضربة تغطي كل فلسطين من حيفا حتى رامون (فيديو)، الجزيرة مباشر، 20 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3hxLgpV
[10] تقدير استراتيجي (84): تركيا والقضية الفلسطينية بعد الانتخابات البرلمانية، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021):
[11] المصدر السابق.
[12] المصدر السابق.
[13] واشنطن تعترض على لقاء أردوغان بقيادة “حماس” .. ورد تركي، عربي 21، 25 آب/أغسطس 2020، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/2UqvZiY
[14] تركيا: حماس مستعدة لإلقاء السلاح والاعتراف بإسرائيل، رام الله نيوز، 22 آذار/مارس 2017، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3hdCNJy
[15] أردوغان عن حركة حماس: تناضل من أجل استقلال فلسطين، عربي 21، 3 شباط/فبراير 2020، (تاريخ الدخول: 29 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3hBhXCX
[16] أنظر مثلاً:
أردوغان: نحن أمام دولة إرهابية تسير على نهج هتلر، الأناضول، 20 تموز/يوليو 2014، (تاريخ الدخول: 30 حزيران/يونيو 2021): https://bit.ly/3qLJeqr
[17] أردوغان: نريد علاقات أفضل مع إسرائيل ونهجها يحول دون ذلك، DWعربية، 25 كانون الأول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 30 حزيران/يوينو 2021): https://bit.ly/3qLbwS3
[18] اختبار نوايا لإعادة التطبيع بين تركيا وإسرائيل .. لماذا الآن؟، الحرة، 24 كانون الأول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 30 حزيران/يونيو 2021): https://arbne.ws/3jArooO
[19] تركيا تعين سفيراً لها في إسرائيل، روسيا اليوم، 10 كانون الأول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3xk33Yj
[20] واشنطن تندد بتصريحات أردوغان “المعادية للسامية”، فرانس 24، 19 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3dCbQgf
[21] أردوغان: إسرائيل “دولة إرهاب” وعلى العالم وقف وحشيتها، الأناضول، 8 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3heDx0S
[22] أردوغان: إسرائيل دولة إرهاب ترتكب جرائم حرب على مرأى العالم، TRT عربي، 14 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3qLSLO0
[23] للجم العدوان الإسرائيلي .. أردوغان يقود حملة دبلوماسية مكثفة، الأناضول، 14 أيار/مايو 2021ن (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/2SLwweN
[24] أردوغان: تركيا ستدعم القدس كما دعمت أذربيجان في قره باغ، سبوتنيك، 14 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/2V4VgPX
[25] أردوغان يدعو لإدارة “القدس” من قبل لجنة تمثل الديانات الثلاث: أفضل معالجة، ترك برس، 18 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/2SLwUdf
[26] أردوغان يدعو لـ”تلقين إسرائيل درساً” وروحاني يدين جرائم الاحتلال، الجزيرة نت، 12 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3qHNaIO
[27] تركيا تصف بـ”الكذبة” اتهامات واشنطن لأردوغان بالإدلاء بتصريحات “معادية للسامية”، القدس، 19 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3jAuBom
[28] رئيس البرلمان التركي: إسرائيل تمارس إرهاب الدولة، الأناضول، 10 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3dBVEvC
[29] البرلمان التركي يعقد جلسة تضامن ودعم لفلسطين .. وزعماء الأحزاب يدينون الجرائم الإسرائيلية، القدس العربي، 18 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/2UjMcGr
[30] أحزاب البرلمان التركي يدينون بشدة اعتداءات إسرائيل على المسجد الأقصى، ترك برس، 10 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3As0C88
[31] “العدالة والتنمية” التركي يطالب العالم بوقف العدوان على الأقصى، الأناضول، 10 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3jBYm8l
[32] زعيم المعارضة التركية: سنواصل تضامننا مع فلسطين رغم صمت العالم، الأناضول، 18 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3ypkvef
[33] حزب تركي: الإرهاب الإسرائيلي قد يقود إلى حرب عالمية أو إقليمية، الأناضول، 18 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/36fZ5Uw
[34] Turkey condenms İsraili raid on Al-Aqsa Mosque, Hurriyet Daily News, 8 May 2021, (Entrance Date: 3 July 2021): https://bit.ly/2TxiXQu
[35] شاهد: داودأوغلو يدعو الأحزاب التركية للتوحد من اجل القدس، ترك برس، 11 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3ApJaRs
[36] كيف تفاعل الأتراك مع قضية الشيخ جراح؟، نون بوست، 8 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3jGcpty
[37] غليان شعبي وسياسي في تركيا دعماً للقدس، العربي الجديد، 10 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/368Uq6P
[38] تركيا .. خطبة الجمعة تبعث رسالة لفلسطين: لن يبقى الظلم دون عقاب، وكالة أنباء تركيا، 21 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/36cpy5C
[39] فيديو متداول للقاء يحي السنوار مع وكالة الأناضول على وسائل التواصل.
[40] غزة وإسرائيل: بلينكن يزور الشرق الأوسط لتعزيز وقف إطلاق النار، BBCعربي، 24 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bbc.in/3wfto8C
[41] هنية يشكر إيران على دعمها حماس بالمال والسلاح، DW عربية، 21 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3xi5pH4
[42] هنية: سواحل فلسطين غنية بالغاز ومن الممكن عقد اتفاقية بحرية مع تركيا، ترك برس، 25 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3hdJBH6
[43] السنوار للأناضول: التهدئة “هشة” ونقدر الدعم التركي لشعبنا، الأناضول، 27 أيار/مايو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3xfgvww
[44] بتنسيق مع مصر .. قافلة مساعدات تركية تعبر إلى غزة الثلاثاء، الأناضول، 15 حزيران/يونيو 2021، (تاريخ الدخول: 3 تموز/يوليو 2021): https://bit.ly/3hAkhdc