تركيا والاتحاد الأوروبي: تغليب لغة الحوار
TRT عربي
أجرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم الجمعة الفائت لقاء عبر تقنية الفيديوكونفيرانس مع رئيسَيْ المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والمجلس الأوروبي شارل ميشيل.
هذا الاجتماع مع القياديَّيْن البارزَيْن في الاتحاد الأوروبي، والذي سبقه لقاءات عدة مع مسؤولي الاتحاد وبعض الدول الأعضاء في الفترة السابقة، تناول الملفات المشتركة بين الجانبين وفي مقدمتها اتفاق ملف الهجرة واللجوء وخصوصاً ما يتعلق بالمقيمين السوريين الذين تستضيفهم تركيا وبعض القضايا الإقليمية مثل شرق المتوسط وسوريا وليبيا.
وتأتي أهمية هذا اللقاء كونه عقد قبل أيام فقط من القمة الأوروبية التي ستعقد في الـ 25 – 26 من الشهر الجاري وستناقش العلاقات مع تركيا، كما أنه يأتي في الذكرى الخامسة لتوقيع الجانبين اتفاق إعادة اللاجئين في الـ 18 من آذار/مارس 2016.
ويبدو أن أجواء اللقاء كانت إيجابية، إذ غاب عنه وعن مقدماته لغة الضغوط والتلويح بالعقوبات التي سادت خلال عام 2020. حيث كان منسق السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد جوزيب بوريل قد أشاد قبل اللقاء بجهود تركيا فيما يتعلق بالسوريين الذين تستضيفهم على أراضيها، داعياً إلى “تقاسم العبء معها”. كما أن كلاً من ميشيل وفون دير لاين دعوا الرئيس التركي إلى “مواصلة إجراءات خفض التصعيد وبناء الثقة” بين الجانبين، معربَيْن عن استعدادهما لزيارة تركيا بعد القمة الأوروبية المقبلة.
من جانبه، أكد أردوغان على ضرورة “تفعيل كل الآليات وإطلاق الحوار على أعلى المستويات لتطوير التعاون بين الجانبين”، معبراً عن ثقته بأن التقرير الذي ستقدمه بلاده للقمة الأوروبية سيقدّم مقترحات لمستقبل علاقات أنقرة ببروكسل عبر وجهة نظر موضوعية وبناءة، وعن انتظاره نتيجة صادرة عن القمة تفتح الطريق لمشاريع ملموسة بين الطرفين.
ولعل من مؤشرات أهمية اللقاء بالنسبة لأنقرة عدد وأسماء من رافقوا الرئيس التركي خلاله، وهم – حسب وكالة الأناضول – وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ووكيل حزب العدالة والتنمية نعمان كورتولموش، ورئيس لجنة السياسات الخارجية في البرلمان عاكف تشاغطاي كيليتش، والناطق باسم العدالة والتنمية عمر تشيليك، ورئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخرالدين ألتون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين، ومستشار الرئيس ظافر تشوبوكتشو.
يذكر أن قمة قادة الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر من العام الفائت كانت قد أقرت عقوبات وصفت بالرمزية على تركيا بسبب ما وصفته بـ”تصرفاتها غير القانونية والعدوانية” في شرق المتوسط. وكانت القمة أقرت “عقوبات فردية” وتركت الباب مفتوحاً أمام “إجراءات إضافية” مستقبلاً، وكان يفترض إعداد قائمة بالشخصيات المقصودة بالعقوبات لعرضها على الدول الأعضاء للموافقة عليها، يُتوقع أن يكون لهم علاقة بشركات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
ولكن يبدو أن القمة الأوروبية المقبلة لن تكون استمراراً لحالة التصعيد هذه التي صبغت معظم عام 2020، والأزمة الكبيرة بين الجانبين التي سبقتها عام 2017، وإنما ستنحو نحو الحوار أكثر، بعد أن حصلت متغيرات مهمة خلال الأشهر القليلة الماضية.
فقد تراجعت حدة التصعيد بين أنقرة وأثينا في شرق المتوسط، واستؤنفت اللقاءات الاستكشافية بينهما بعد انقطاع دام خمس سنين، وصولاً للإعلان عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية اليوناني إلى تركيا الشهر المقبل تتبعها زيارة لنظيره التركي إلى اليونان.
كما أن الخطاب التركي بات أكثر هدوءاً وتودداً للشركاء الأوروبيين خصوصاً تصريح اردوغان الشهير بأن بلاده “ترى نفسها في أوروبا وتريد بناء مستقبلها معها”. أكثر من ذلك، فقد تراجعت حدة التصريحات والمواقف بين تركيا وفرنسا، أكثر الدول الأوروبية المحرضة على فرض عقوبات عليها خلال الشهور الفائتة، والتواصل الذي حصل بين رئيسيهما بداية الشهر الجاري.
على المقلب الآخر، دخل الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة بعد التوصل لاتفاق بريكيست مع بريطانيا، مع استمرار الأزمات الأخرى التي يواجهها مثل اليورو والديون والاختلافات بين دوله الأعضاء على عدة قضايا في مقدمتها اللجوء، وهو الملف الذي يفرض على الاتحاد التعاون لا التصادم مع أنقرة.
مجيء اللقاء في الذكرى السنوية الخامسة لاتفاق الهجرة الموقع بين أنقرة وبروكسل دفع الجانبين لتقييم نتائج الاتفاق ومدى الالتزام بتطبيقه. فالاتحاد الأوروبي لا يخفي رغبته في تجديد الاتفاق و/أو تطويره، لافتاً إلى أنه “أوقف الهجرة غير الشرعية بين تركيا والاتحاد الأوروبي وأنقذ العديد من الأرواح”، وبالتالي فـ”ثمة ضرورة لاستمرار تنفيذه” وأن دعم تركيا بهذا الصدد “مصلحة مشتركة” للطرفين، وفق جوزيب بوريل.
بيد أن الاتفاق ما زال مثار خلاف بين دول الاتحاد وكذلك بين بعض الحكومات وأحزاب المعارضة لديها، إذ يرى الكثيرون في أوروبا أن الاتفاق فشل تحديداً فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، حيث وردت انتقادات شديدة لما تسمى بـ”النقاط الساخنة” على الجزر اليونانية وما يتعرض له اللاجئون هناك، حسبما ما جاء في بيان مشترك لثماني منظمات حقوقية من ضمنها منظمة العفو االدولية وهيومان رايتس ووتش وأوكسفام.
في المقابل، لطالما انتقدت أنقرة عدم التزام بروكسل ببنود الاتفاق، إن كان على صعيد الحصص المالية المقَرَّة للسوريين أو على صعيد تحرير تأشير شينغن على المواطنين الأتراك وتطوير الاتحاد الجمركي بين الجانبين. وهو أمر كرره الرئيس التركي في اللقاء، حيث أكد على ضرورة تحرير التأشيرة وتحديث الاتحاد الجمركي وفتح فصول جديدة للتفاوض بين تركيا والاتحاد ضمن مسار طلب العضوية.
وعليه، يمكن القول إن هناك مصلحة مشتركة للجانبين في علاقات أكثر هدوءاً، وهو أمر بات من الواضح حرصهما عليه، وإن كانا ما زالا يتبادلان تحميل المسؤولية عن الفترة الماضية لبعضهما البعض، حيث دعا القادة الأوروبيون تركيا لمزيد من إجراءات بناء الثقة، بينما دعاهم تشاووش أوغلو إلى “عدم تكرار أخطاء الماضي”.
بناء على كل ما تقدم، سيكون من المتوقع غياب لغة التهديدات والضغوط والعقوبات عن القمة المقبلة إلى حد بعيد، تاركة مكانها للحديث حول مستقبل العلاقات والتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك ولا سيما الهجرة واللجوء وشرق المتوسط والاتحاد الجمركي. لكن ذلك لا يعني طي صفحة الخلافات بالكامل، ولا يعني بالتأكيد عدم وجود تحديات أمام علاقات أكثر هدوءاً بينهما.
فقد دان منسق السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد جوزيب بوريل ما عدَّه “تراجعاً على صعيد الحقوق الأساسية” في تركيا، بعد تقديم المدعي العام طلباً للمحكمة الدستورية بحظر حزب الشعوب الديمقراطي بدعوى انتهاكه للدستور وتعريضه وحدة البلاد وأمنها للخطر وعلاقاته مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. فقد حذر بوريل من أن هذه الخطوة “تزيد من هواجس الاتحاد الأوروبي حيال تراجع واقع الحقوق الأساسية” في تركيا ويطرح علامات استفهما حول مدى التزام أنقرة بمسار الإصلاحات الذي أعلنته، وفق تعبيره.
بيد أنه من غير المتوقع أن يؤدي هذا الملف إلى أزمة كبيرة على صعيد العلاقات بين الجانبين، وإنما من المرجح أن تختتم القمة بالتأكيد على ضرورة الحوار والتعاون بين الجانبين، خصوصاً وأن تركيا عادت لتنظر إلى الاتحاد الأوروبي كخيار رئيسي لها – انتماءً أو تعاوناً – بعد التوتر الأخير مع واشنطن، كما أن بروكسل تدرك أكثر من أي وقت مضى أهمية أنقرة للأمن الأوروبي عموماً وما يتعلق بمكافحة الإرهاب وضبط الهجرة غير الشرعية لأوروبا على وجه الخصوص.