يتوجه أكثر من 52 مليون ناخب تركي اليوم الأحد للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية وسط أجواء من التوتر السياسي فاقت مستويات كل الانتخابات المحلية السابقة، وأضحت بمثابة استفتاء على الحكومة الحالية وحزبها الحاكم، بعد اتهامات الفساد التي طالت بعض الوزراء في الحكومة، والحملة الكبيرة التي شنتها الأخيرة ضد ما تسميه “التنظيم الموازي” في مؤسسات الدولة.
ويصوت الناخبون في 81 محافظة تركية لانتخاب رؤساء البلدية وأعضاء المجلس البلدي والمخاتير في المدن والبلدات والقرى المختلفة، إضافة لرؤساء بلديات المدن الكبرى، في انتخابات لا يتوقع أن تقل نسبة المشاركة فيها عن %75، كما كان الحال في سابقاتها.
وينتظر الشعب التركي (ومعه الكثير من شعوب المنطقة) نتائج هذه الجولة الانتخابية بفارغ الصبر ليستشرف ميول أطياف الناخبين التي ستتحول إلى أرقام، ستتبلور بدورها في شكل مواقف وسياسات مستقبلية لتركيا.
يتنافس في معركة اليوم عشرات الأحزاب التركية يتقدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري أقوى أحزاب المعارضة، إضافة لحزب الحركة القومية وحزب السلام والديمقراطية الكردي. ولعل نتيجة التصويت التي سيحصل عليها كل حزب من الأحزاب المتنافسة ليست معيار النجاح الوحيد، إذ من المهم معرفة عدد البلديات التي سيفوز فيها كل طرف، إضافة لمدن كبيرة بعينها تملك رمزية أو أهمية معينة (الكبر، عدد السكان، التبعية، التكوين العرقي أو المذهبي) وعلى رأسها اسطنبول، أنقرة، إزمير وديار بكر.
ولعل النتيجة التي ستحوز الكم الأكبر من التعليقات والتحليلات هي نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية، حيث تأمل المعارضة أن لا تتخطى ما حصل عليه في الانتخابات المحلية الماضية (%38) في حين تحدد معيار نجاحه بنسبة أصواته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2011 (%49.8)، بينما يرجو الحزب الحاكم أن يتخطى الثانية ويعتبر الأولى هي معيار نجاحه. وبين هذه وتلك، تتوقع معظم استطلاعات الرأي له تقدماً مريحاً على باقي أحزاب المعارضة بنسبة تصويت تتراوح بين 40 و 45 % مما يعني أن حالة الاستقطاب الحاد بين الطرفين مرشحة للاستمرار حتى الانتخابات الرئاسية في آب/أغسطس القادم على أقل تقدير .
وفق هذا المشهد السياسي، لا يبدو حزب الأغلبية قلقاً من نسبة التصويت بقدر قلقه على العملية الانتخابية وحسن سيرها، كما لا تبدو أوراق “التنظيم الموازي” أو المعارضة كثيرة، اللهم إلا التشكيك بالنتائج واتهامات التزوير. ولهذا دأبت الحكومة منذ أسابيع على التحذير من خطوات معينة قد تقوم بها أطراف ما لالصاقها بالعدالة والتنمية، مثل سرقة صناديق انتخابية أو زيادة أوراق على بعضها أو ومحاولات شراء أصوات .. الخ.
أخيراً، لأن نتيجة هذه الانتخابات المحلية سينبني عليها عدة أمور، منها سياسة الحكومة في مواجهة التنظيم الموازي داخل مؤسسات الدولة المختلفة أو تراجعها وانكفائها تحت وطأة ادعاءات الفساد وتراجع الشعبية، واستمرار العدالة والتنمية كحزب أوحد في حكم البلاد، ومصير جماعة الخدمة/كولن، بكل انعكاسات كل ذلك داخلياً وخارجياً، يمكننا وبلا مبالغة اعتبار هذه المعركة الانتخابية محطة فارقة في تاريخ تركيا الحديث، تستحق المتابعة والتأمل والتحليل.