تركيا تنتخب

فجأة وبدون سابق إنذار صمت المدافع الانتخابية وسكتت الاشتباكات الديمقراطية في تركيا،  هدوء عميق ساد في المشهد السياسي التركي وكأن دخان التلاسنات بين الأحزاب لم يكن. بدأت فترة الصمت الانتخابي البارحة، وتوجه المواطنون للصناديق اليوم، ليقولوا كلمتهم ويختاروا من يرؤسهم في المؤسسات المحلية (رؤساء البلديات، أعضاء المجالس البلدية والمخاتير).

فمنذ ساعات الصباح الأولى تدفق أكثر من 52 مليون ناخب تركي نحو المراكز الانتخابية في 81 محافظة، وكان بينهم معظم الشخصيات العامة: رئيس الجمهورية عبدالله غول، رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، رئيس مجلس الشعب عمر تشيليك، رئيس الأركان نجدت أوزار، رؤساء أحزاب المعارضة ومرشحو البلديات المختلفة.

لم تسجل حتى الآن، وقد مر أكثر من نصف العملية الانتخابية أي حوادث أمنية أو تجاوزات تذكر (ما عدا بعض المناوشات في بعض المناطق على هامش انتخابات “المختار”)، في حين ساعد الطقس معظم المحافظات على تسريع الاقتراع، وأعاق الثلج بعضها.

ورغم أن تركيا تشهد في معظم انتخاباتها المحلية والبرلمانية والرئاسية إقبالاً كبيراً لا يقل منذ سنوات عديدة عن %75، إلا أن هذه الانتخابات بما تحمله من أهمية كبيرة، تشهد إقبالاً يعتقد أنه سيتخطى معظم المنافسات الانتخابية السابقة. ذلك أن ادعاءات الفساد التي تلاحق الحكومة منذ ثلاثة أشهر والتي أدت إلى تقديم أربعة وزراء استقالاتهم، والحرب الشرسة الدائرة حالياً بين الحكومة وما تسميه “التنظيم الموازي” أو “الدولة الموازية”، وتركيز العدالة والتنمية الحاكم على مقاربة الاستهداف والمؤامرة الدولية ضده، كل هذه الأسباب وغيرها نقلت المنافسة الديمقراطية من مستواها المحلي – البلدي إلى ما يشبه الاستفتاء على حزب الأغلبية ورئيسه اردوغان.

ويبدو أن هذه المقاربة قد لاقت قبولاً ومصداقية من قبل أطياف كبيرة من الشعب، وعلى رأسها القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية، خصوصاً بعد انتقال الاستهداف من اردوغان وحزبه إلى الدولة ومؤسساتها المختلفة على خلفية قضية التنصت والتسريب الأخير لاجتماع أمني شديد الخصوصية والحساسية. لذلك – ربما – استطاع الحزب حشد أكثر من مليوني شخص في مهرجانه الانتخابي في اسطنبول، أكبر المدن التركية، ولذلك ربما تتوقع معظم استطلاعات الرأي رفع الحزب نسبة تصويته عن النسبة السابقة في انتخابات 2009 المحلية (%38).

ومع إقفال الصناديق الساعة الخامسة مساءً بتوقيت تركيا في معظم المحافظات (وقد سبقتها بعض المحافظات الساعة الرابعة)، ستبدأ عملية الفرز في اللجان الفرعية وتجميع الأصوات، بما يجعلنا أمام النتائج شبه الرسمية في حدود منتصف الليل، والنتائج الرسمية، التي لا يتوقع أن تختلف عنها كثيراً، يوم الاثنين صباحاً، أو بعد أيام في حال وجود اعتراضات أو شكاوى.

ما يميز العملية الانتخابية الحالية، إضافة إلى أهميتها وحساسيتها، اطمئنان مختلف الأطراف إلى أن الإرادة الشعبية هي التي ستحدد النتائج ولا شيء غيرها، الأمر الذي تجلى في العناوين الرئيسة في معظم الصحف التي كانت تدندن حول جملة “الكلمة لكم”. مفهوم يجعل هذه المعركة الانتخابية، رغم سخونتها وحدتها، أمراً يُغبط عليه الشعب التركي.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

تسريب يوتيوب والأزمة التركية

المقالة التالية

تركيا .. انتخابات بلدية أم استفتاء على الحكومة؟

المنشورات ذات الصلة