آخر مقالاتي في سلسلة استعراض الأحزاب التركية الرئيسة المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة هو التحالف الانتخابي الثنائي بين حزبي السعادة والاتحاد الكبير، الذي أعلن عنه للمرة الأولى في الرابع من نيسان/ابريل الماضي.
حزب السعادة، كما هو معروف، هو وريث تيار الفكر الوطني (ميللي غوروش) والراحل نجم الدين أربكان وآخر أحزابه السياسية، أو ما تبقى للتيار من أعضاء ومناصرين بعد انشقاقين كبيرين، الأول بقيادة اردوغان وغل وأصدقائهما عام 2001 لتأسيس العدالة والتنمية، والثاني بقيادة نعمان كورتولموش ومجموعته التي أسست حزب “صوت الشعب” عام 2010، قبل أن يحل الحزب نفسه عام 2012 وينضم للعدالة والتنمية ويشغل كورتولموش نفسه منصب نائب رئيس الحزب ثم نائب رئيس الوزراء لاحقاً.
أما حزب الاتحاد الكبير فهو أحد الأحزاب “اليمينية” الكبيرة بخلفية إسلامية – قومية، وهو ما يميزه عن حزب الحركة القومية الذي يقدم القومية على “الإسلامية” في أيديولوجيته ومرجعيته. وقد أسسه عام 1992 محسن يازجي أوغلو، الذي قضى عام 2009 في حادثة سقوط طائرته العمودية (هليكوبتر) في ظروف غامضة لم يتم كشف كل خيوطها حتى الآن، وهو ما يرجح فرضية الاغتيال.
يجمع الحزبين عددٌ من الظروف المتشابهة التي جعلت التحالف بينهما أمراً منطقياً، فكلاهما ذو أيديولوجية دينية إلى جانب الهوية السياسية، وكلاهما تراجع وفقد الكثير من حظوظه بغياب قائده، وكلاهما بعيد جداً – وفق معظم استطلاعات الرأي – عن حاجز %10 المشترط لدخول البرلمان، ولذلك فهما يسعيان من خلال هذا التحالف إلى زيادة حظوظهما لتخطي هذا الحاجز.
بيد أن هذا التحالف الوليد ما زال دون ذلك بكثير، إذ لا تعطيه معظم استطلاعات الرأي أكثر من %4 من الأصوات، بينما صرّح رئيس حزب السعادة مصطفى كامالاك أن الحزبين سيحصلان على %17 من الأصوات، وهو أمر يمكن تصنيفه ضمن الدعاية الانتخابية ولفت الأنظار، سيما وأن أبرز عقبات التحالف هو النظر إليه على أنه سيفتت الأصوات “المحافظة”، باعتبار أنه لا يمكنه تخطي الحاجز وبالتالي “فلا داعٍ لانتخابه وضياع الأصوات الممنوحة له”، خصوصاً من الناخب المحافط أو اليميني أو “الإسلامي”، الذي تحول ليصبح القاعدة التصويتية الرئيسة لحزب العدالة والتنمية.
هذه الحقيقة تحديداً، وكون هذا التحالف سيخصم من أصوات حزب العدالة والتنمية بدرجة أو بأخرى – بسبب استهدافه نفس الكتلة التصويتية – إلى جانب حزب الحركة القومية، جعل “جماعة كولن” مثلاً تراهن عليه. حيث راجت شائعات عن انضمام وزير الداخلية الأسبق والمحسوب على الجماعة نعيم إدريس شاهين إلى التحالف (التقى معهما لكنه لم ينضم)، بينما يبدو واضحاً – ومفهوماً – احتفاء وسائل الإعلام الدائرة في فلكها بالتحالف والترويج له، حتى أعطته بعض تحليلاتها أكثر من %8 في الانتخابات المقبلة، متوقعة له أن يزيد من هذه النسبة قبيل الانتخابات.
ولئن كانت زيادة نسبة التحالف الثنائي رسالة إلى العدالة والتنمية بأن الناخب المحافظ يبحث عن بدائل أو إضافات أو إنجازات مختلفة عما يقدمه الحزب الحاكم حتى الآن، وهي رسالة بضرورة استمرار التجديد والتطوير والإضافات، إلا أن الرسالة للتحالف الثنائي قد تكون أوضح وأبلغ بضرورة تغيير السياسات ولغة الخطاب للوصول إلى درجة ثقة الشارع وفرصة المنافسة على دخول البرلمان، فضلاً عن الوصول لكرسي الحكم في البلاد، خصوصاً في ظل حالة الاستقطاب الواضحة في الأشهر والسنوات الأخيرة.