المعارضة التركية: أخطاء وعثرات في طريق الانتخابات
عربي 21
رغم تزاحم التطورات السياسية داخلياً وخارجياً في تركيا وتسارع تطوراتها في الآونة الأخيرة، تبقى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة سيدة الموقف وفي سدّة الاهتمام والأولوية. بل يمكن القول إن الفواعل السياسية، من حزب حاكم ومعارضة، تقارب هذه التطورات من زاوية تأثيرها على نتائج الانتخابات المقبلة في المقام الأول، إذ أن الجميع ينظر إليها على أنها انتخابات حاسمة ومصيرية.
ومما يميز هذه الانتخابات عن الاستحقاقات السابقة تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 وسعي عدد من أحزاب المعارضة لخوضها بالتنسيق والتعاون بينها وربما بتشكيل تحالف انتخابي موحد ضده. ولذلك، ترى المعارضة أن الاستحقاق المقبل فرصة غير مسبوقة بالنسبة لها، فهي تأتي في ظل مشاكل صعُبَ على الحزب الحاكم وحكوماته المتتالية إنهاؤها مثل الاقتصاد واللاجئين، ولذلك فإنها ولأول مرة ترى أن بإمكانها الفوز على أردوغان وحزبه.
ورغم ذلك، لا يبدو للمتابع للمشهد السياسي الداخلي في تركيا أن المعارضة – وتحديداً أكبر أحزابها الشعب الجمهوري – تتصرف وفق المعطيات السابقة أو قادرة على استثمار ما ترى بأنه فرصة تاريخية لها أمام أردوغان. ومن القرائن الدالة على ذلك أن نسبة التصويت للعدالة والتنمية في استطلاعات الرأي – غير الدقيقة ولكن الصالحة للاستئناس عموماً – لا تنعكس ارتفاعاً في نسبة حضور الشعب الجمهوري مثلاً.
بشيء من المتابعة الحثيثة، يمكن القول إن المعارضة عموماً، وما تسمى “طاولة الستة” بشكل أكثر تخصيصاً، وحزب الشعب الجمهوري على وجه التحديد يقعون في أخطاء جوهرية قد تكلفهم خسارة الانتخابات الوحيدة التي يرون أنهم قادرون على الفوز بها. وأهم هذه الأخطاء:
أولاً، التشتت. ما زالت أحزاب المعارضة المنضوية في “طاولة الستة” أبعد ما تكون عن تشكيل تحالف انتحابي – فضلاً عن سياسي – متماسك. ورغم الفرصة غير المسبوقة والعوامل التي تدفعها للتعاون والتنسيق، فإن الخلافات فيما بينها والتصريحات الكيدية بين قياداتها لا تخبو حتى تعود للسطح. وإنه من بديهيات السياسة أن هزيمة سياسي قوي ومخضرم وكاريزمي مثل أردوغان لا تتأتى بمجرد التنسيق الشكلي.
ثانياً، غياب المرشح التوافقي. تظهر معظم استطلاعات الرأي أن تقديم المعارضة مرشحاً توافقياً لها سيمنحها فرصة أكبر بكثير في مواجهة أردوغان، منافسة وربما فوزاً، عما إذا قدمت المعارضة عدة مرشحين. ورغم هذه البدهية المدعَّمة باستطلاعات الرأي، إلا أن المعارضة ما زالت في خلافات بينية حول من يكون المرشح التوافقي. ففي حين يريد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو فرضَ نفسه مرشحاً توافقياً على باقي الأحزاب، فإن الأخيرة لا تتردد في الإشارة لشخصيات أخرى تراها أوفر حظاً منه، والحديث هنا عن الحزب الجيد الذي يرغب بترشيح رئيس بلدية إسطنبول أو أنقرة، فضلاً عن تفكير بعض الأحزاب الأخرى بشخصيات من خارج الشعب الجمهوري تماماً ويردد بعضها على استحياء اسم الرئيس الأسبق عبدالله غل.
ثالثاً، غياب البرامج المقنعة. تجتمع أحزاب المعارضة على مواجهة أردوغان وعلى لافتة رفض النظام الرئاسي وضرورة العودة للنظام البرلماني، لكن ذلك قد لا يكون كافياً لإقناع شرائح واسعة من الناخبين. فهي تتحدث كثيراً عن إخفاق الحزب الحاكم في الملف الاقتصادي – مثلاً – لكنها لا تطرح برامج مفصلة ومقنعة للناخبين في هذا الإطار. ومن البديهيات السياسية أن شعور الناخب بفشل الحكومة قد لا يكون كافياً له لتغيير تصويته ما لم يقتنع بوجود بديل حقيقي وقادر.
رابعاً، معضلة المصداقية. يروج كليتشدار أوغلو مؤخراً لفكرة “المصالحات”، والتي يقصد بها الندم و /أو التراجع عن ممارسات وسياسات ومواقف سابقة والاعتذار من المتضررين منها، وفي مقدمتهم الشريحة المحافظة. لكن، وهو في وسط هذه المساعي والزيارات، تأتي تصريحات من قيادات وازنة في حزبه تضع طرحه موضه الشك، من خلال مهاجمة الحجاب أو وقف الديانة أو غير ذلك مما يهم الناخب المحافظ.
خامساً، المعارك الهامشية. بدل التركيز على القضايا الأساسية المرتبطة بأجندة الانتخابات، وقعت المعارضة وتقع في معارك جانبية تستهلك الوقت والجهد والجدل السياسي والإعلامي في البلاد، بما يفوّت عليها فرصة السجال السياسي المفيد في الحملات الانتخابية. أكثر من ذلك، فإنها أحياناً اختارت بملء إرادتها اللعب في ملعب أردوغان حين لجأت لخطاب أيديولوجي وملفات هوياتية كان ينبغي أن تدرك أنها تفيده أكثر مما تفيدها هي، فهي “لعبته” منذ سنوات كما يقال.
وفي الخلاصة، ورغم أن فرصة المعارضة في منافسة أردوغان غير مسبوقة فعلاً، إلا أنها تتعثر في طريق الانتخابات بأخطاء ذاتية أو عقبات موضوعية تؤثر على فرصها في المنافسة و/أو الفوز، خصوصاً وأنها أمام خصم قوي وقناص للفرص ومن الصعب هزيمته بامتلاك أفضل الأوراق فما بالك بارتكاب أخطاء من هذا القبيل.
لا يعني كل ما سبق أن الانتخابات القادمة محسومة الفشل للمعارضة والفوز لأردوغان، فللأخير وحزبه وحكومته أخطاؤهم كذلك التي تراهن عليها المعارضة، وهو ما سيكون موضوع مقالنا القادم إن شاء الله.