اللاجئون السوريون في قلب المعركة الانتخابية في تركيا
الجزيرة نت
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا والمقررة في حزيران/يونيو المقبل تزداد سخونة الأجواء السياسية في البلاد، ويتربع المقيمون السوريون على رأس قائمة الملفات التي ستتركز عليها الحملات الانتخابية والتنافس بين الحكومة والمعارضة.
المعارضة واللاجئون
يتضح من النقاشات السياسية والإعلامية الدائرة في البلاد أن هناك ملفين رئيسين سيشكلان المادة الرئيسة للحملات الانتخابية في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، هما الاقتصاد واللاجئون أو المقيمون السوريون.
ولئن شكّل الاقتصاد مادة للسجال اليومي بين الحكومة والمعارضة بسبب تراجع العديد من المؤشرات الاقتصادية في البلاد مؤخراً لأسباب عديدة من بينها جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن ملف السوريين بات يمثل أولوية في خطاب المعارضة والحكومة على حد سواء وبشكل غير مسبوق.
ذلك أن المعارضة التركية في عمومها قد تبنت فكرة رفض وجود ملايين السوريين على الأراضي التركية منذ 2011 مطالبة بضرورة إعادتهم لبلادهم، وهو خطاب تراوح بين تحميل أردوغان وحزب العدالة والتنمية والحكومة مسؤولية ما تعدُّه المعارضة فشلاً وسوء تخطيط وضعفاً في إدارة الملف وبين العداء للسوريين (وهو لسان حال معظم أحزاب المعارضة المعروفة) وبين تبني الكراهية والعنصرية تجاه السوريين (وهو لسان حال قلة من المعارضة).
ولعله، في الشريحة الثانية، يمكن تحديد بعض قيادات الحزب الجيد (القومي)، وبشكل أخصّ القيادي السابق فيه أوميت أوزداغ الذي انشق مؤسساً حزب “الظفر” الذي يشكل السوريون أولوية أولى في خطابه وبرامجه السياسية. بينما يبرز في الشريحة الأولى رئيس حزب التقدم والديمقراطية – والقيادي السابق في العدالة والتنمية – علي باباجان الذي قال إن إجبار السوريين على العودة أمر غير قانوني وغير أخلاقي، وإن كان لا يخفي انتقاداته للحكومة بخصوص طريقة إدارتها للملف.
مع هذه الأجندة السياسية واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، ومع بعض الأحداث الفردية هنا وهناك، تبوأ السوريون الصدارة مؤخراً في وسائل الإعلام، وأضيف لذلك بعض الحملات الممنهجة والمقصودة وفق وزارة الداخلية التركية للتحريض ضدهم، ما تسبب في بعض الأحيان باحتكاكات في الشارع.
تتركز سردية المعارضة على أن السوريين ينبغي أن يعودوا لبلدهم بعد كل هذه السنوات من العيش في تركيا من باب أنهم يشكلون خطراً عليها أو تحدياً إضافياً على أقل تقدير من زوايا الاقتصاد والأمن وكذلك الخريطة الديمغرافية لا سيما مع تجنيس ما يقرب من 200 ألف منهم في السنوات القليلة الأخيرة، إضافة لادعاء المعارضة بأن ذلك مقصود به زيادة عدد مؤيدي الرئيس وحزبه العدالة والتنمية في الانتخابات.
ولذلك فقد ثبّتت المعارضة في عمومها وتحالف “الشعب” بشكل أكثر دقة وحزب الشعب الجمهوري على وجه الخصوص شعاراً تحوّل لوعد انتخابي مفاده “إعادة السوريين إلى سوريا خلال سنتين فقط” في حال فازت في الانتخابات المقبلة وآل الأمر لها.
ومع الأوضاع الاقتصادية المعروفة في البلاد واحتدام الاستقطاب بين التحالفَيْن الحاكم والمعارض، ركزت المعارضة على ملف السوريين ووضعته في الصدارة لدرجة ان أكبر احزاب المعارضة علق لافتة كبيرة على مبنى مركزه الرئيس عبارة عن مروحة أسئلة – موجهة للحكومة – بخصوص السوريين من دخولهم لتركيا وحتى حصولهم على الجنسية.
إجراءات حكومية
في المقابل، بات العدالة والتنمية والتحالف الحاكم أكثر تنبهاً لأهمية هذا الملف، خصوصاً وأنه سبق وأن عدَّه أحد أسباب خسارته بلدية إسطنبول الكبرى ذات الأهمية الرمزية في انتخابات 2019 البلدية.
ومع ازدياد تركيز المعارضة على الملف من جهة وحملات وسائل التواصل الاجتماعي من جهة ثانية وُضِعَ السوريون في إطار “الخطر” وفق منطق “الأمننة”، وبات هناك انطباع (حقيقي أو مصطنع) بأن هناك مطلباً شعبياً بهذا الاتجاه.
ولذلك فقد عملت الحكومة التركية في الآونة الأخيرة على مجموعة من السياسات والقرارات التي تهدف إلى تخفيف الاحتكاك السلبي بين السوريين والأتراك من جهة وإلى إعطاء انطباع للناخبين – وخصوصاً المتشدديين في هذا الموضوع منهم – بأن الحكومة لا تتهاون مع السوريين ولا تحابيهم وإنما تضرب بيد من حديد حين يلزم.
في المقام الأول، تسعى الحكومة لتحديد أعداد الأجانب عموماً في تركيا بحيث صعّبت نسبياً بالمقارنة مع الماضي الحصول على الجنسية بناء على شراء العقارات والإقامات السياحية، إضافة لرفض تسجيل الأجانب في بعض أحياء المدن الكبرى التي تحوي نسبة مرتفعة من الأجانب.
وبخصوص السوريين، يممن القول إن تركيا قد جمدت منذ فترة سياسة “الباب المفتوح” أمام اللاجئين السوريين وتعمل على مساعدتهم داخل الأراضي السورية، إضافة لضبط تواجدهم في تركيا ومنع التنقل غير المسبّب لهم بين المحافظات المختلفة.
بيد أن السياسة الأكثر لفتاً للأنظار والاهتمام الإعلامي هي التشدد إزاء أي مشاكل أمنية أو مجتمعية للسوريين، بحيث يكون الترحيل هو القرار المرجّح إزاء أي مشكلة من هذا النوع يكون طرفها سوري، في رسالة واضحة للداخل. وقد كانت حادثة “الموز” مؤشراً هاماً على هذه السياسة قبل أشهر، كما اعترضت شخصيات ومؤسسات حقوقية مؤخراً على قرار ترحيل شاب سوري قبل أيام رغم قرار البراءة من المحكمة ورغم أن الفيديوهات أظهرت أنه كان معتدى عليه وليس معتدياً.
مع استمرار ضغط المعارضة، بدأت المواقف السياسية للتحالف الحاكم بالتراجع نسبياً. فبعد تحدّيه المعارضة بعدم ترحيل السوريين وتركهم للموت بسبب الحرب التي هربوا منها أو النظام الذي يضطهدهم، عاد الرئيس التركي ليقول بأن حكومته “ستبذل ما في وسعها من أجل عودة طوعية وكريمة” للسوريين إلى بلادهم.
فُهِمَ هذا التصريح من أردوغان على أنه استدارة قريبة من الحكومة بخصوص ملف السوريين المقيمين على الأراضي التركية وأنه مدفوع بموقف شريكه في التحالف رئيس الحركة القومية دولت بهجلي، الذي قال إن “وقت الاستضافة محدود” وإن الهجرة غير النظامية هي نوع من “الغزو” داعياً لمنع مغادري تركيا في العيد نحو الشمال السوري من العودة.
وكان موضوع زيارة بعض السوريين لمناطق الشمال السوري في العيد وعودتهم بعده قد أثار سابقاً احتجاجات سياسية وشعبية، ويبدو أن الحكومة في وارد تجنب الأمر هذه السنة، إذ صرح وزير الداخلية – المقرب من القوميين – إن بلاده “ستضع قيوداً” على هذه الزيارات هذه السنة وفي العيدين.
أخيراً، على صعيد مآلات هذا السجال على هامش الانتخابات المصيرية المقبلة، يبدو أنه سيؤدي لمزيد من التضييق على السوريين، وبدون ضمانات بأن يفيد ذلك الحزب الحاكم والحكومة أمام المعارضة في الانتخابات.
ذلك أن التجارب السابقة في أكثر من بلد تقول بأن محاولة إرضاء أصحاب خطاب الكراهية والعنصرية منزلق خطر يؤدي للخسارة غالباً وليس الربح، ذلك أن هذه الفئة لا ترضى أو تسكت إن حصلت على ما تنادي به وإنما ترفع من سقف مطالبها أكثر إذ تعدُّ ذلك إقراراً بصوابيىة خطابها ومطالباتها.
وبشكل مشابه، على الصعيد السياسي، فإن اتجاه الحكومة نحو إجراءات متشددة إزاء السوريين – وإن كان معظمه حقاً لها كحكومة ودولة – هو “لعب وفق قواعد المعارضة” وعلى أرضيتها. وبالتالي فإن فرص مكاسب المعارضة أوفر نظرياً من فرص الحكومة التي ستبقى في إطار الدفاع عن نفسها ومحاولة التفنيد والتخذيل عن نفسها وسياساتها ما أمكن. بينما قد يكون الأفضل سياسياً لها أن تتبنى سياسة واضحة المعالم وتشرحها وتدافع عنها في الخطاب والممارسة أمام الشعب والمعارضة على حد سواء.
في الختام، بغض النظر أبقيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها صيف العام القادم أم بكّرت عن ذلك قليلاً، فإن ملف السوريين مرشح لأن يكون مع الاقتصاد المادتين الأسخَنَ في الحملات الانتخابات، ما يعني أنه قد يكون مفتوحاً على متغيرات وهزات في المستقبل القريب.