يوم الثلاثاء الماضي، أي قبل شهرين بالضبط من موعد الانتخابات البرلمانية في تركيا، سلمت الأحزاب التركية المختلفة قوائم مرشحيها للجنة العليا للانتخابات. ففي السابع من حزيران/يونيو القادم سيدلي 53 مليوناً و 765 ألفاً و 231 مواطناً داخل تركيا، و مليونان و 867 ألفاً و 658 مواطناً خارج تركيا بأصواتهم لاختيار 550 نائباً للبرلمان القادم.
يشارك في هذه الانتخابات 20 حزباً فقط من 31 حزباً تنطبق عليهم الشروط القانونية، في مقدمتهم الأحزاب الأربعة المتمثلة حالياً في البرلمان وهم العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي. بينما امتنع 11 حزباً عن تقديم قوائمه الانتخابية لأسباب متعددة. وتكتسب هذه الانتخابات أهمية استثنائية نظراً لاستحقاقات مجلس الشعب القادم، خصوصاً عملية التسوية مع الأكراد، وصياغة الدستور الجديد، ونقاشات النظام الرئاسي.
وقبل التعمق أكثر في تحليل المشهد الانتخابي وفرص الأحزاب المختلفة ونقاش استطلاعات الرأي التي سنعود لها في مقالات قادمة، قد يكون من المفيد سوق بعض الإشارات اللافتة في القوائم المقدمة من الأحزاب المختلفة.
على صعيد الحزب الحاكم والمرشح الأبرز في الانتخابات، حزب العدالة والتنمية، تبرز أربع ملحوظات مهمة. الأولى، أن قائمة الترشيح ضمت %40 فقط من النواب الحاليين للحزب، لعدة أسباب على رأسها مادة “الفترات الثلاث” في نظامه الأساسي، والتي حرمت 70 نائباً من إعادة الترشح للمرة الرابعة.
أما الملحوظة الثانية فمتعلقة بخلفية الشخصيات المرشحة، إذ كان أغلبها من الطيف المحافظ ومن أولي الثقة بالنسبة لقيادة الحزب، إذ تضاءلت أعداد المرشحين من الليبراليين واليساريين تحديداً، بينما كان هناك اهتمام خاص بمنع ترشح المحسوبين على جماعة كولن أو المقربين منها على قوائم الحزب مرة أخرى.
أما الملحوظة الثالثة، فخاصة بالحجاب، حيث تتضمن قائمة الحزب 42 سيدة محجبة وهو رقم قياسي في تاريخه، بعد سلسلة الإصلاحات المتعلقة بالموضوع في تركيا على يد الحزب نفسه.
الملحوظة الرابعة والأخيرة متعلقة بعلاقات القرابة مع قيادات الحزب، حيث وضع الأخير لائحة من المعايير لاختيار مرشحيه كان أحدها منع ترشيح الأقرباء حتى الدرجة الثالثة لنواب الحزب ورؤساء بلدياته وقيادات الصف الأول بغض النظر عن مؤهلاتهم وسيرهم الذاتية، ولم ينج من هذه التصفية إلا “براءة ألبيراق” صهر اردوغان الذي لم يعد محسوباً بشكل رسمي من أعضاء الحزب بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
على جبهة أكبر أحزاب المعارضة، الشعب الجمهوري، يبرز العدد الكبير من الاقتصاديين ورجال الأعمال في قوائمه، وهو ما يشير إلى أن الملف الاقتصادي سيكون محوراً رئيساً في حملته الانتخابية، أولاً للبعد نوعاً ما عن المعارضة الأيديولوجية والالتصاق أكثر بهموم المواطن، وثانياً لإدراكه أن الملف الاقتصادي تحديداً كان سر نجاح الحزب الحاكم حتى الآن.
فيما خص حزب الحركة القومية كانت المفاجأة الكبيرة بترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو، مرشح المعارضة التوافقي لرئاسة الجمهورية والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي. أما حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) الذي قرر هذه المرة خوض الانتخابات كحزب وليس كأفراد مستقلين كما سابقاً، فقد رشح عدداً من القيادات اليسارية المتشددة والمحسوبة على حزب العمال الكردستاني إضافة إلى قريبة زعيمه عبدالله أوجلان، وهي أسماء ستكون سبباً في نقاشات ومشادات كثيرة تحت قبة البرلمان – خاصة مع حزب الحركة القومية – في حال انتخابها، كما قد يكون لها أثر كبير في عملية السلام القائمة.
من ناحية أخرى، لفت الأنظارَ التحالفُ الانتخابي بين حزب السعادة (وريث حركة الفكر الوطني التي أسسها الراحل أربكان) وحزب الاتحاد الكبير (ذي التوجه الديني القومي)، ثم انضمام وزير الداخلية التركي الأسبق نعيم إدريس شاهين المحسوب على جماعة كولن وترشيحه عن مدينة إزمير، وهو تطور قد يكون له ما بعده إن توسع هذا التحالف أو وضعت الجماعة كل ثقلها والمحسوبين عليها وراء هذا التحالف في مواجهة العدالة والتنمية.
وبعيداً عن الخصائص المميزة لكل حزب على حدة، كان ثمة نقاط اشتركت فيها جميع الأحزاب، مثل ترشيح الحقوقيين والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والأقليات (3 مرشحين من الأرمن في 3 أحزاب مختلفة). لكن العامل المشترك الأبرز كان القفزة الهائلة في عدد السيدات المرشحات فيها جميعاً، بتأثير ربما من حزب الشعوب الديمقراطي الذي يؤمن بمبدأ “القيادة المشتركة” والمتساوية بين الجنسين، فكان أن قدم 268 مرشحة في مقابل 262 رجلاً. من جهته رشح العدالة والتنمية 99، والشعب الجمهوري 103، والحركة القومية 61 سيدة، ليصل عدد المرشحات من كل الأحزاب الأحد عشر إلى 531 مرشحة في مقابل 268 مرشحة في الانتخابات السابقة (زيادة حوالي %100)، وهو ما ينبئ بارتفاع عددهن بكل ملحوظ في البرلمان القادم.