التوتر التركي – اليوناني: هل تندلع الحرب هذه المرة؟

التوتر التركي – اليوناني: هل تندلع الحرب هذه المرة؟

مركز الجزيرة للدراسات

 

إثر تعقب المنظومات الدفاعية اليونانية لمقاتلات تركية فوق البحر المتوسط، عاد التوتر ليسود العلاقات بين أنقرة وأثينا، مع تهديدات وتلميحات بخصوص صدام عسكري محتمل بينهما،  وتقديم كل منهما شكاوى بحق الآخر لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي.

تبحث هذه الورقة في الملفات الخلافية بين أنقرة وأثينا وأسباب التوتر بينهما، والمختلف في محطة التوتر الحالية بينهما عن سابقاتها. وتدرس الورقة احتمالات انتقال حالة التوتر بين البلدين إلى صدام عسكري مباشر بينهما، من خلال العوامل الدافعة لذلك والمانعة له.

وترى الورقة أنه رغم حدة التصريحات من الجانبين والحديث عن الصدام العسكري إلا أن الأخير يبقى احتمالاً غير مرجح في الوقت الحالي، وإن كان ثمة تطورات مستقبلية قد تزيد من فرصه واحتمالاته.

 

 

الخلفية: نزاع مركّب

يعدُّ النزاع التركي – اليوناني من النزاعات التقليدية الباقية دون حل منذ القرن الماضي، إذ تساهم في إذكائه سياقات تاريخية ودينية وقومية وثقافية وجيوسياسية، وهو ما يوتر العلاقات بين البلدين بشكل مستمر مع فترات من التهدئة التي يمكن عدُّها استثناءً، رغم أنهما عضوان في حلف شمال الأطلسي بما يفترض أنهما حليفان أو على أقل تقدير ليسا خصمين.

تقليدياً، تتناقض رؤية البلدين وتتصادم حول عدد من الملفات الخلافية في مقدمتها القضية القبرصية، وجزر بحر إيجه بما يشمل مسألة تسليحها والمياه الإقليمية وتداخل المجال الجوي، والفيتو اليوناني على دخول تركيا للاتحاد الأوروبي، وترسيم الحدود البحرية في بحرَيْ المتوسط وإيجه[1]. لكن اكتشاف كميات من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط أعاد إذكاء الخلافات بين البلدين في السنوات القليلة الأخيرة بخصوص ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منهما في المتوسط تحديداً، لارتباط الأمر بتقاسم الثروات المتوقعة وخصوصاً الغاز الطبيعي من جهة والتنافس الجيوسياسي في المنطقة من جهة أخرى.

وكما رسمت ثروات الغاز المتوقعة في المنطقة العلاقات بين البلدين، فقد أطّرت كذلك خريطة الاصطفافات في المنطقة. فبعد عقود من جمود الحل بخصوص القضية القبرصية، تراجعت تركيا عن دعم جهود توحيد الجزيرة داعية إلى تأسيس دولتين واحدة للقبارصة الأتراك وأخرى للقبارصة اليونانيين[2]، ويبدو ذلك مدفوعاً في جزء منه بما يعكسه من مصالح تركية (وقبرصية – تركية) متوقعة من تقسيم الحدود البحرية وفق هذا الحل.

ومن جهة أخرى فقد أسست اليونان مع كل من قبرص اليونانية و”إسرائيل” ومصر وإيطاليا (والأردن وفلسطين) وبدعم من الإمارات وفرنسا منتدى غاز شرق المتوسط في بداية عام 2019 في محاولة لمواجهة تركيا وعزلها[3]، لترسّم الأخيرة حدودها البحرية مع ليبيا في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه[4]، وتعرض الفكرة ذاتها على مصر مراراً[5].

منذ ستينات القرن الماضي ثم مع التدخل التركي عسكرياً في قبرص عام 1974 تحت اسم “عملية سلام قبرص”، تصاعد التوتر بين البلدين عدة مرات، ووصل ذروته عام 1996 بسبب إحدى جزر بحر إيجه[6]. لكن العلاقات بين البلدين أخذت منحى تصعيدياً في السنوات القليلة الأخيرة بسبب النزاع في شرق المتوسط، وكادا يصلان إلى حافة المواجهة العسكرية في آب/أغسطس 2020[7].

تدخل الناتو وسيطاً بين الجانبين، وخففت تركيا من أنشطة التنقيب في شرق المتوسط كبادرة حسن نوايا، وبدأت بين الجانبين حوارات استكشافية حول الخلافات والملفات العالقة بينهما. ثم كانت الحرب الروسية – الأوكرانية عاملاً إيجابياً على صعيد علاقات البلدين، فزار رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس متسوتاكيس تركيا والتقى الرئيس أردوغان في آذار/مارس الفائت متحدثاً عن ضرورة “إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتحسين العلاقات على الرغ من الخلافات” من باب أن البلدين يتحملان “مسؤولية خاصة في الهيكل الأمني الأوروبي المتغير” على هامش الحرب الروسية – الأوكرانية[8].

 

 

أسباب التوتر الأخير: ما الجديد؟

رغم الأجواء الإيجابية التي أسست لها زيارة ميتسوتاكيس لتركيا، إلا أن العلاقات بين البلدين عادت للتوتر سريعاً، سياسياً أولاً ثم ميدانياً.

زار الأخير واشنطن في أيار/مايو الفائت لمناسبة الذكرى الـ 201 لبدء العلاقات اليونانية – الأمريكية، ودعا في كلمته أمام الكونغرس أعضاء الأخير لأن يراعوا حساسيات بلاده في أي صفقة سلاح لتركيا ولا سيما الوضع في شرق المتوسط[9]، وهو ما رأت فيه الأخيرة تحريضاً على عدم بيعها مقاتلات F16 التي تفاوض واشنطن بخصوصها مؤخراً.

كانت ردة الفعل التركية حادة جداً، واحتج أردوغان على “إقحام أطراف ثالثة” في العلاقات التركية – اليونانية على عكس ما اتفق عليه البلدين معلناً عن نهاية الحوار بينهما[10].

ميدانياً، اشتكت أنقرة من تحرش الأنظمة الدفاعية اليونانية بمقاتلات F16 من أسطولها الجوي خلال مهمة لحلف الناتو فوق المتوسط. قالت أنقرة إن أثينا استخدمت منظومة S300 الدفاعية الروسية ضد مقاتلاتها وإنها شوشت على راداراتها[11]، وهو ما أنكرته الأخيرة. ويحمل هذا التطور دلالات مهمة بالنسبة لأنقرة، فهي المرة الأولى التي تستخدم فيها أثينا المنظومة الروسية التي يفترض أنها غير مفعّلة، ومن جهة ثانية فهي دليل – من وجهة نظرها – لازداوجية معايير الولايات المتحدة وحلف الناتو حيث كانت تركيا نفسها قد تعرضت لانتقادات وعقوبات لشرائها منظومة S400 الروسية الدفاعية بما في ذلك إخراجها من مشروع مقاتلات F35.

أرسلت تركيا رسائل رسمية للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وللأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ، وأغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وممثله السامي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية جوزيب بوريل. وقد تضمنت الرسائل ما تعده أنقرة “ممارسات غير قانونية ومطالب متطرفة” لليونان، مع شرح وجهة نظر تركيا وموقفها، وكذلك “الخطوات الاستفزازية والعدائية” من اليونان تجاه تركيا[12]. وحسب أنقرة، فقد انتهكت اليونان منذ بداية العام الحالي الأجواء التركية عبر مقاتلاتها 256 مرة، ومياه تركيا الإقليمية بمراكب خفر السواحل لديها 33 مرة، وتحرشت بالمقاتلات التركية 158 مرة[13].

ترى أنقرة أن اليونان تتعمد توتير العلاقات معها، وقال الرئيس التركي إن بعض الدول – لم يسمها – تستخدم اليونان لخوض حرب بالوكالة ضد تركيا كما حصل قبل قرن من الآن[14]، لكن بعض المسؤولين الأتراك ذكروا أنه يقصد فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية[15].

فبعد رهان يوناني على بعض القوى الإقليمية، مثل مصر والإمارات و”إسرائيل”، لمواجهة تركيا وعدم استعداد هذه الأخيرة لها ثم تطبيعها للعلاقات مع أنقرة، وبعد سنوات من الدعم الفرنسي الشامل لأثينا في مواجهة أنقرة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي وعلى صعيد ملف التسليح، وبعد تراجع الاتحاد الأوروبي نفسه عن مسار العقوبات والضغوط على أنقرة[16]، ترى الأخيرة أن اليونان تراهن على دعم الولايات المتحدة لها.

جددت واشنطن وأثينا معاهدة التعاون الدفاعي بينهما في ظل توتر بين الأخيرة وأنقرة، وبما يشمل توسيع النشاط الأمريكي العسكري في اليونان واستخدامها قواعد عسكرية إضافية[17]، وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بعد التوقيع إن البلدين سيواجهان التهديدات في شرق المتوسط في إشارة لتركيا[18]. كما أن تركيا تنتقد تخلي الولايات المتحدة عن موقفها المحايد في النزاع بين الدولتين وكذلك في القضية القبرصية لصالح اليونان وقبرص اليونانية[19]، وتعلن عن عدم تصديقها بسردية واشنطن بأن قواعدها العسكرية في اليونان وجزيرة كريت ومناوراتها العسكرية مع اليونان قرب الحدود التركية موجهة ضد روسيا[20].

 

 

المآلات: هل يحصل صدام عسكري؟

ارتفع منسوب التوتر بين البلدين على مدى الشهور الفائتة وبلغ ذروته مع حادثة استهداف المقاتلات التركية وهو ما عدته أنقرة عملاً عدائياً لا يستقيم وروح التحالف داخل حلف الناتو. لم يقف الأمر عند شكوى البلدين كل منهما للآخر لدى المنظمات الدولية والإقليمية، وإنما بدأ الحديث في البلدين عن احتمالات الحل العسكري وسيناريوهاته بل والاستعداد له.

وصف الرئيس التركي الجزر اليونانية في بحر إيجه بـ”المحتلة” بما يعني عدم التسليم بتبعيتها لليونان لا سيما الجزر التي انتقلت للأخيرة من إيطاليا مباشرة وفق اتفاقية باريس للسلام 1947 من دون موافقة تركيا[21]، وقال رئيس وزرائه مولود جاويش أوغلو إن تسليح اليونان للجزر يطرح مسألة سيادتها عليها للنقاش من باب أن السيادة اليونانية مرتبطة بشرط نزع السلاح[22]. وهدد أردوغان اليونان قائلاً “قد نأتيكم بغتة ذات ليلة”[23]، وهي الجملة التي طالما رددها سابقاً في وجه المنظمات التي تعدها بلاده إرهابية وانفصالية في شمال سوريا قبل شن عمليات عسكرية ضدها، كما أنها – أي الجملة – جزء من أغنية ارتبطت بالعملية العسكرية التركية في قبرص عام 1974 ضد اليونان نفسها مما يزيد من دلالاتها.

ولأن كل دولة تمثل العدو/الخصم التاريخي والديني والقومي للأخرى، تتكاثر في كليهما تقديرات وتقييمات ترى بأن الحرب سيناريو حتمي، ويأخذ بعضها شكل التهديد المباشر بالحرب. وفيما بدا محاولة لإثبات صحة سرديتها بأن تركيا هي من تريد الحرب، عمدت اليونان إلى حفر خنادق على حدودها مع الأخيرة كإجراء دفاعي لأي حرب برية محتملة[24].

أكد أردوغان أكثر من مرة بأن اليونان ليست نداً لا اقتصادياً ولا عسكرياً لبلاده، في إيحاء بأن المواجهة العسكرية المباشرة مع تركيا ليست في صالحها ولا تحدم مصالحها الذاتية. وإضافة إلى الجوانب الجغرافية والسكانية والاقتصادية التي تميل لصالح تركيا بشكل واضح، فإن أرقام موقع Global Fire Power تدعم هذه الرؤية التركية في الجانب العسكري كذلك، حيث يأتي الجيش التركي في المركز الـ 13 عالمياً مقابل الـ 27 للجيش اليوناني  وفق تصنيف عام 2022[25].

ويعقد الجدول التالي مقارنة بين قدرات البلدين والأعداد التي تضمها القوات الجوية والبرية والبحرية في كل من البلدين بما يتعلق بالأسلحة الأهم في أي مواجهة عسكرية، وفق الموقع ذاته[26].

السلاح تركيا اليونان
الطائرات 1057 633
الطائرات المقاتلة 205 188
المروحيات 474 270
المروحيات المقاتلة 107 29
الدبابات 3022 1243
الأسطول البحري 156 120

 

ورغم ذلك ثمة تقديرات بأن القوة الجوية هي الحاسمة في أي مواجهة محتملة بين الجانبين، وأن أنقرة تخشى من تقادم أسطولها الجوي لا سيما بعد إخراجها من مشروع مقاتلات F35 وعدم حسمها صفقة مقاتلات F16 مع الولايات المتحدة، مقابل حصول اليونان على طائرات رافال من فرنسا و F16 وربما F35 من الولايات المتحدة، بما يمكن أن يقلب الكفة لصالحها على المدى البعيد[27].

ولأن القدرات الذاتية لكل من البلدين ليس المحدد الوحيد لتقدير احتمالات الصدام العسكري، يبقى الأخير احتمالاً قائماً نظرياً ولكنه يعتمد على جملة من العوامل الدافعة والكابحة له.

تبقى الملفات العالقة بين البلدين دافعاً رئيساً للصدام، وخصوصاً ملفات الغاز وتسليح جزر بحر إيجه وبدرجة أقل القضية القبرصية، لا سيما وأنها ترتبط من عدة زوايا بالأمن القومي للبلدين. فالجزر التي تتهم تركيا اليونانَ بتسليحها خلافاً لاتفاقيتي لوزان 1923 وباريس للسلام 1947 تقعان على بعد كيلومترات فقط من البر التركي، كما أن الغاز المتوقع في شرق المتوسط سيكون رافداً مهماً للقوة الاقتصادية والمكانة بشكل عام للدولة التي ستحصل عليه.

استمرار اليونان بالاستهداف رغم تهديدات أنقرة، بما في ذلك إطلاق النار على سفينة تجارية تركية في المياه الدولية[28]، يشير إلى رغبتها في استمرار التوتر فيما يبدو. ويضاف لذلك أن العوامل العديدة التي شكلت أرضية للحرب الروسية – الروسية، وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المتردية عالمياً وارتدادات جائحة كورونا وغيرها من العوامل، قد تعمل على تسخين العلاقات التركية – اليونانية كما فعلت مع مناطق أخرى من العالم مثل تايوان والبلقان.

ومن العوامل التي يمكن أن تساهم في تسخين الأجواء بين البلدين قرب محطات انتخابية مفصلية في كلا البلدين، حيث تنتظر تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة في حزيران/يونيو 2023 (وثمة احتمال قائم بتبكيرها)، وتسبقها اليونان في الربيع المقبل بانتخابات برلمانية وبلدية. إذ سيشكل الخطاب الحاد والتهديدات وربما الاحتكاكات الميدانية عوامل جالبة للأصوات في ظل التحشيد في البلدين ضد بعضهما البعض وحالة التأييد الداخلية للصدام في كليهما.

يضاف لكل ذلك حالة انعدام الثقة بين البلدين، وافتقادهما لأي آلية متفق عليها أو مرجعية للفصل القانوني بينهما بعد تراجع اليونان عن التفاوض وفق مسار اتفاقية برن[29]، وتوقف جولات الحوار بينهما، وانشغال الولايات المتحدة وحلف الناتو بالحرب الروسية – الأوكرانية، وكذلك عدم وجود أدوات ضغط متبادلة باستثناء المجال العسكري.

ولا شك أن اكتشاف أحواض للغاز في أي منطقة متنازع عليها بين البلدين قد تكون عامل تفجير بين البلدين وتدفع حالة التوتر لمستوى الصدام بينهما، بل ربما أدى اكتشافه في مناطق غير متنازع عليها لذلك لما له من تأثير كاسر للتوازن بين البلدين.

في المقابل، ثمة عوامل تساهم في منع انتقال البلدين من التوتر إلى التصعيد العسكري والصدام المباشر. في مقدمة هذه العوامل الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ أن آخر ما يمكن أن يرغب به حلف الناتو هو حرب بين دولتين من أعضائه فيما هو يحاول التركيز على مواجهة روسيا في أوكرانيا. ولذا فمن المتوقع أن يعمل الحلف وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية على التوسط بين البلدين وتخفيف حدة التوتر بينهما قبل أن تتفاقم التطورات.

ولا شك أن عضوية البلدين في الناتو تشكل ضمانة نسبية لعدم تدحرج الأمور بينهما، إن كان على صعيد تأثير الحلف على كلى الدولتين أو على صعيد صعوبة إيجاد حلفاء ومشاركين لأي من الطرفين في سيناريو الحرب. وبالنسبة لتركيا، قد يكون أي تصعيد مع اليونان سبباً مباشراً لإجهاض صفقة مقاتلات F16 مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعول عليها لتجديد أسطولها الجوي.

كما أن الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي اليونانية، وقرب الحدود التركية وفي جزيرة كريت على وجه التحديد، يمكن أن يكون عاملاً مثبطاً لأي صدام عسكري موسع بين البلدين. ولعل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها البلدان من جهة، والتكلفة المتوقعة لأي حرب بينهما بشرياً واقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً من جهة ثانية، من ضمن كوابح الخيار العسكري.

في الخلاصة، ورغم وجود عدد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي يمكن لها أن تدفع البلدين نحو الصدام، إلا أن كلفة هذا الخيار (ولا سيما إن تعمّق وامتد زمنياً) وعضوية البلدين في الناتو والتخوف من دخول أطراف ثالثة على خط الصدام وغيرها من العوامل تجعل المواجهة العسكرية بين البلدين غير مرجحة.

يمكن إذن فهم التصريحات الحادة وعالية السقف من البلدين باتجاه بعضهما البعض كرسائل الداخل حيث البلدان على مقربة من استحقاقات انتخابية مهمة لكليهما، وكذلك كرسائل قوة باتجاه الطرف الآخر للردع وتقليل احتمالات الصدام أصلاً.

لكن الأجواء المتوترة بين البلدين وحساسية الملفات الخلافية بينهما ومساحات الاحتكاك المحتملة ولا سيما في بحر إيجه تجعل من انتقالهما من مساحة التوتر إلى التصعيد أمراً محتملاً دائماً، لا سيما إن كان بشكل غير مقصود/مخطط له وإنما نتيجة لتقديرات غير دقيقة أو أخطاء غير مقصودة أو كتدحرج لتطورات ميدانية. لكن احتكاكاً من هذا النوع إن حصل يبقى من الممكن السيطرة عليه واحتواؤه بسرعة كما حصل في تجارب سابقة، وتبقى الحرب الموسعة بين البلدين احتمالاً غير مرجح في المدى المنظور ولا تقوم عليه قرائن حقيقية حالياً. بيد أن استمرار الملفات الخلافية قائمة بين البلدين دون أطر ومسارات للحوار والحل تبقي احتمالات المواجهة بين تركيا واليونان قائمة مستقبلاً، لا سيما تأثراً بتطورات أخرى مثل الانتخابات أو اكتشاف الغاز في مناطق متناع عليها أو ما شابه.

[1] تركيا واليونان: صب الغاز على خطوط النزاع بشرق المتوسط، مركز الجزيرة للدراسات، 2 أيلول/سبتمبر 2020، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[2] أردوغان: حل الدولتين هو الحل الوحيد لأزمة جزيرة قبرص، TRT عربي، 19 تموز/يوليو 2021، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[3] تدشين منتدى غاز شرق المتوسط: إسرائيل مؤسسة .. واستبعاد تركيا ولبنان وسورية، العربي الجديد، 14 كانون الثاني/يسناير 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[4] اتفاقية “تركية – ليبية” .. كيف ستغير في مجريات الصراع هناك؟، عربي 21، 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[5] تركيا: قد نوقع اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع مصر، العربية، 3 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[6] عملية “كارداك” .. حين أجبرت تركيا اليونان على سحب قواتها من الجزيرة وإنزال علمها، ترك برس، 8 أيلول/سبتمبر 2020، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[7] تصاعد التوتر التركي – اليوناني .. هل ينزلق شرق المتوسط إلى الحرب؟، الجزيرة نت، 10 حزيران/يونيو 2020، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

[8] أردوغان ورئيس وزراء اليونان يتفقان على تحسين العلاقات وسط صراع أوكرانيا، الخليج الجديد، 13 آذار/مارس 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022):

رئيس وزراء اليونان يكرر مزاعمه المتعلقة بتركيا، الأناضول، 17 أيار/مايو 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3B7xnsj [9]

[10] أردوغان يعلن إلغاء المجلس الاستراتيجي مع اليونان، الأناضول، 23 أيار/مايو 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3BxdFHR

[11] اليونان تتحرش بمقاتلات تركية عبر منظومة “إس – 300″، الأناضول، 28 آب/أغسطس 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3BH170R

[12] أردوغان يعلق على إمكانية شن عملية عسكرية ضد اليونان، الجزيرة نت، 7 أيلول/سبتمبر 2022، “تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3RDiBjY

[13] Son Dakika: Yunanistan’ın S-300’lerle tacizi NATO’ya gönderilecek, TGRThaber, 31 Semptember 2022K (Access DateŞ 10 Semptember 2022): https://bit.ly/3quTW5f

[14] في ذكرىة انتصار تركيا على الحلفاء واليونان .. أردوغان: تزعجنا المواقف العدائية لدول يفترض أنها حليفة لنا واليونان ليست نداً، الجزيرة نت، 31 آب/أغسطس 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3RCJvIG

[15] أنظر مثلاً مقال مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية للسياسة الخارجية:

لمن يوجه أردوغان رسالته “قد نأتي فجأة ذات ليلة؟”، ياسين أقطاي، الجزيرة نت، 9 أيلول/سبتمبر 2022، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3eHLL31

[16] ألمانيا: على الاتحاد الأوروبي مواصلة الحوار مع تركيا، الاناضول، 7 كانون الاول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 10 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3RCi6a0

[17] واشنطن وأثينا تحدثان اتفاقيوة التعاون الدفاعي المشترك، الجزيرة نت، 14 تشرين الاول/أوكتوبر 2021، (تاريخ الدخول: 11 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3d9BqMU

[18] تسمح للقوات الأمريكيةبالوصول للقواعد اليونانية .. واشنطن وأثينا توسعان تعاونهما الدفاعي، الجزيرة نت، 15 تشرين الأول/أوكتوبر 2021، (تاريخ الدخول: 11 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3Bb9hge

[19] تركيا: اليونان انتهكت وضع جزر إيجه وعليها نزع الأسلحة، الأناضول، 31 أيار/،مايو 2022، (تاريخ الدخول: 11 أبلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3xitbon

[20] أردوغان: اليونان تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية، TRT عربي، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، (تاريخ الدخول: 11 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3RGP6Ok

[21] أردوغان سصف جزر بحر إيجه بـ “المحتملة” ويلوح بـ”استعادتها” .. كيف انتقلت الجزر إلى سيادة اليونان؟، القدس العربي، 4 أيلول/سبتمبر 2022، (تاريخ الدخول: 11 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3Uf6dZo

[22] تركيا: اليونان انتهكت وضع جزر بحر إيجه وعليها نزع الأسلحة، مصدر سابق.

[23] أردوغان يجدد تحذيره لليونان: “قد نأتيكم بغتة في جنح الليل”، العربي الجديد، 6 أيلول/سبتمبر 2022، (تاريخ الدخول: 22 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3RV8Oph

[24] اليونان تسرع أعمال حفر الخنادق على حدودها مع تركيا، الأناضول، 13 حزيران/يونيو 2022، (تاريخ الدخول: 12 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3U5X4C8

[25] 2022 Military Strength Ranking, Global Fire Power, (Access Date: 12 Semptember 2022): https://bit.ly/3eGf06c

[26] Comparison of Turkey And Greece Military Strengths (2022), Global Fire Power, (Access Date: 12 Semptember 2022): https://bit.ly/3B9FmFk

[27] Paul Iddon, How Denying Turkey Upgraded F16’s could consolidate Greece’s Emergent Airpower Advantage, Forbes, 27 May 2022, (Access Date: 12 Semptember 2022): https://bit.ly/3RZ3rpe

[28] تركيا تحتج على استهداف اليونان سفينة تجارية بالمياه الدولية، الأناضول، 10 أيلول/سبتمبر 2022، (تاريخ الدخول: 12 أيلول/سبتمبر 2022): https://bit.ly/3BzdOdI

[29] تركيا واليونان: صب الغاز على خطوط النزاع بشرق المتوسط، مصدر سابق.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

هل يمكن ان يبكر أردوغان الانتخابات في تركيا؟

المقالة التالية

أين تقف الولايات المتحدة في التوتر القائم بين تركيا واليونان؟

المنشورات ذات الصلة