تستعد تركيا لمحطة انتخابية مختلفة حين ينتخب الشعب لأول مرة في تاريخه رئيس الجمهورية في العاشر من الشهر القادم، تقدم لها حتى الآن ثلاثة مرشحون يمثلون مختلف الأطياف السياسية التركية. فمن هم هؤلاء المرشحون، وما هي فرص فوز كل واحد منهم؟ وما الذي تستشرفه استطلاعات الرأي بخصوص نتائج هذه الانتخابات؟
المرشحون الثلاثة
وافقت اللجنة العليا للانتخابات على الطلبات التي قدمتها مختلف الأحزاب السياسية، واعتمدت بشكل نهائي أسماء المرشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية، وهم:
رجب طيب اردوغان: وهو مرشح الحزب الحاكم العدالة والتنمية رئيس الوزراء الحالي والرجل الأبرز والأقوى في تركيا منذ سنوات. تدرج في العمل السياسي من المنظمة الشبابية في حزب “الرفاه” بقيادة الراحل نجم الدين أربكان، إلى رئيس فرع الحزب في اسطنبول، إلى رئاسة بلدية اسطنبول، حتى تربع على عرش السياسة التركية بعد تأسيسه ومجموعة من أصدقائه المنفصلين عن حزب الفضيلة حزب العدالة والتنمية الذي أهله ليكون رئيس الوزراء في ثلاثة حكومات متعاقبة.
أكمل الدين إحسان أوغلو: وهو المرشح التوافقي لحزبي المعارضة الرئيسَين، الشعب الجمهوري والحكرة القومية، الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي بين عامي 2004 و2014، وأستاذ تاريخ العلوم. ألف العديد من الكتب في مجالات الثقافة التركية، والعلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي. رئس لمدة 25 عاماً مركز بحوث التاريخ والفن والثقافة الإسلامية (إيرسيكا)، ويتقن أربع لغات.
صلاح الدين دميرطاش: وهو مرشح حزب الشعوب الديمقراطي، الرئيس المشارك (أحد رئيسَيْن) لحزب السلام والديمقراطية ذي الجذور الكردية سابقاً والذي تحول إلى حزب الشعوب الديمقراطي، والنائب في مجلس الشعب التركي. تخرج من كلية الحقوق في جامعة أنقرة وعمل كمحام لعدة سنوات رئس فيها عدداً من الجمعيات الحقوقية، قبل أن يتفرغ لاحقاً للعمل السياسي.
المؤهلات والمعيقات
يبدو اردوغان متفوقاً على منافسَيه في مجال الخبرة السياسية والكاريزما القيادية، إضافة إلى ما حققه لتركيا من نهضة اقتصادية ومكانة سياسية في الساحة الدولية، وكلها صفات مطلوبة لمنصب رئاسة الدولة الذي يتطلب القوة والكفاءة والخبرة. كما ينافس الأخير متسلحاً بعدة دورات انتخابية (برلمانية ومحلية) تؤكد على تفرد حزبه بقيادة الحياة السياسية التركية، الأمر الذي يعطيه دفعة معنوية مهمة. كما يستفيد رئيس الوزراء نوعاً ما من حالة الاستهداف التي تتعرض لها حكومته داخلياً وخارجياً، فضلاً عن أنه يحظى بدعم الحزب الحاكم وأطياف واسعة من المستقلين الأتراك. وسيستفيد الرجل بكل تأكيد من إمكاناته الخطابية وماكينته الإعلامية في الحملة الانتخابية، والتي سيركز فيها على رؤية حزبه لتركيا الجديدة وعلى أهمية الاستقرار السياسي في البلاد، إضافة إلى استفادته (عامداً أو غير عامد) من بقائه على رأس عمله كرئيس للحكومة خلال الحملة الانتخابية.
من ناحية أخرى، يبدو أن فرص فوز الزعيم التركي ستتأثر بحالة الاستقطاب السياسي المتعمقة في البلاد منذ أحداث حديقة جزي بارك في نهاية أيار/مايو 2013، والتي يعتبر هو شخصياً أحد أقطابها في حين هو يترشح لمنصب يعتبر “فوق السياسة” وخارجها ومظلة للجميع، إضافة إلى اتهامات الفساد التي لاحقت عدداً من الوزراء والمسؤولين الحكوميين والتي لم يبت فيها بعد، كما أن المعارضة تكيل له اتهامات التمسك بالسلطة والتفرد في الحكم والتي لا يُعرف على وجه التحديد مدى الصدى الذي تلاقيه داخل أروقة الحزب الحاكم.
من جهته، يمتاز البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو بسيرة ذاتية أكاديمية متميزة، ويعرف عنه دماثة الخلق ونظافة اليد، كما أن منصبه السابق في الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي أمنت له شبكة علاقات مهمة على المستوى الدولي. ويحسب له بعده عن الحياة السياسية والحزبية التركية بما يجعله أقرب للصورة التقليدية للرئيس شبه الفخري الذي يحتوي جميع الأحزاب والأطياف السياسية. يضاف إلى ذلك اجتماع عدد من أحزاب المعارضة (على رأسها حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية) خلفه في مواجهة اردوغان مرشح الحزب الحاكم، وشبكة دعم إقليمية اكتسبها من منصبه السابق وربما تكون من ممولي حملته.
لكن، من جهة أخرى، يبدو الرجل مفتقداً لكثير من المميزات التي تقلل من حظوظه في الفوز، فهو شخص مغمور وغير معروف بالنسبة للمواطن التركي، وليس لديه خبرة سياسية أو إطلاع على الواقع السياسي والاقتصادي الداخلي، ويفتقر للكاريزما والقدرة على مخاطبة الجماهير (في حين ينافس خطيباً مفوهاً مثل اردوغان). كما أن دعم المعارضة له لا يبدو كاملاً بعد أن ظهرت للعلن اعتراضات لا يستهان بها من داخل حزبي المعارضة الرئيسين على ترشيحه بقرار فوقي دون استشارة الدوائر الحزبية، وبعد أن أعلنت العديد من المؤسسات والأوقاف العلوية رفضها التصويت للمرشح التوافقي.
أما صلاح الدين دميرطاش، فلا يبدو ترشحه جدياً للمنافسة على منصب الرئاسة. إذ لا شعبيته تسمح له بالفوز، ولا تركيا اليوم جاهزة لاختيار رئيسها من قومية أخرى غير التركية (الكردية تحديداً)، ولا أصوات حزبه قادرة على إيصاله إلى قصر تشانكايا بمفردها.
لذلك يبدو ترشحه محض استعراض سياسي، هدفه إيصال رسالة مقصودة ومحاولة للضغط لنيل مكاسب معينة للطيف الكردي في البلاد مقابل أصواتهم، خاصة في حال تأخر الحسم لجولة إعادة، حيث سيسعى المرشحان لكسب هذه القوة التصويتية التي يمكن لها حسم السباق (تقدر بحوالي %7 من الأصوات).
استطلاعات الرأي
تظهر استطلاعات الرأي المختلفة تقدم اردوغان على المرشحَين الآخرَين بنسب متفاوتة بين مركز استطلاعات وآخر. فبينما تعطيه بعضها نسبة مريحة تتراوح بين 50 و 55% تمكنه من حسم المنافسة من الجولة الأولى، فإن بعضها الآخر لا يعطيه – رقم تقدمه السباق – أكثر من %45، مما يرجح كفة التحاكم لجولة إعادة بينه وبين إحسان أوغلو.
فعلى سبيل المثال أعطى استطلاع الرأي الذي أجراه مركز “جينار” المعروف لاردوغان نسبة %55.2 بينما توقع أن يحصل إحسان أوغلو على 35.8%. في حسن أعطى مركز “سونار” الأول نسبة %46 والأخير نسبة %35.5. أما صلاح الدين دميرطاش فلم يحصل في أي استطلاع للرأي على نسبة تتجاوز الـ 9%، مما يؤكد ما ذهبنا إليه من مرامي ترشحه ومشاركته في المنافسة.
وتبدو هذه النسب (خاصة الأولى) منطقية جداً في ضوء نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة نهاية آذار/مارس الفائت، حين حصل حزب العدالة والتنمية على ما نسبته %47 من الأصوات. يشار هنا إلى ارتفاع نسبة تصويت الأحزاب المختلفة في الانتخابات البرلمانية عنها في المحلية بسبب العوامل الشخصية والعشائرية والمحلية، مما يعطي الحزب الحاكم ما يقارب من %50 من الأصوات ستذهب كلها (وفق الدراسات) لاردوغان، يضاف إليها أصوات بعض الإسلاميين والقوميين والمستقلين. ولا يجب أن نغفل الأصوات الكردية التي استفادت اقتصادياً وسياسياً وتنموياً من حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة، والتي تدعم “عملية السلام” لحل القضية الكردية بقيادة اردوغان، ولذلك يعتقد على نحو واسع أن الأخير سيحصل على الكثير منها، سيما في حال تم اللجوء إلى جولة إعادة، حيث لا ينتظر من الأكراد التصويت لمرشح حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك الذي أسس للمظلومية الكردية) وحزب الحركة القومية (الذي ينكر وجود مشكلة كردية).
التأثيرات الداخلية والخارجية
من نافلة القول أن هذه الجولة الانتخابية ليست كسابقاتها أبداً، لأسباب عدة منها:
أولاً، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة يتم انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة.
ثانياً، تركيز اردوغان على نيته “استخدام كل صلاحياته” حال انتخابه رئيساً، وهذا بطبيعة الحال ينسحب على المرشحَين الآخرَين.
ثالثاً، بنتيجة السببين السابقين، ستغير الانتخابات القادمة بدرجة ما من النظام السياسي القائم في تركيا إلى نظام شبه رئاسي، بل ربما يتبعها استفتاء شعبي أو تعديلات دستورية تحوله إلى نظام رئاسي وفق رغبة اردوغان المعلنة منذ سنوات.
رابعاً، حالة الاستقطاب السياسي والمجتمعي المستمرة في تركيا منذ أكثر من سنة.
خامساً، ملفات المنطقة الساخنة التي حولتها لبركان يغلي، ودور تركيا المرتقب والمأمول فيها.
سادساً، التوتر مع العديد من الدول العالمية، وحالة العداء أو الاستهداف لتركيا من قبلها.
فما هي النتائج المباشرة لهذه الانتخابات على الملفات المختلفة داخلياً وخارجياً؟ وكيف سيؤثر انتخاب أي من المرشحين الثلاثة على هذه القضايا المتعددة؟ وإلى أين تمضي تركيا في مسيرتها الاقتصادية والإصلاحية؟ وكيف ستنعكس النتائج على قضايا المنطقة المختلفة ودور تركيا فيها؟ أسئلة كثيرة سنحاول الإجابة عليها في المقال القادم الذي سيتناول هذه الانعكاسات والتجليات وفق النتائج التي ستفرزها صناديق الانتخابات.