الانتخابات التركية:
انسحاب إينجة يخلط الأوراق فهل يحسم النتيجة؟
عربي 21
فجّر المرشح الرئاسي محرم إينجة البارحة/الخميس مفاجأة كبيرة وخلط أوراق الانتخابات التركية وزادها تعقيداً بإعلانه انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية.
كان إينجة سابقاً قد ألمح لإمكانية انسحابه من السباق الرئاسي قبل 48 ساعة من يوم الاقتراع، بعد تعرضه لانتقادات واسعة بسبب ترشحه، ما أوحى باحتمال عقده صفقة مع المرشح الأبرز في صفوف المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدارأوغلو.
بيد أن ما قاله إينجة بين يدي إعلان الانسحاب لا يوحي بأي نوع من الصفقات أو المكاسب السياسية كما كان متوقعاً أو محتملاً، بل على العكس تماماً وبخلاف شخصيته خرج مستسلماً لابتزاز تعرض له.
قال إينجة إنه تعرض في الـ 45 يوماً الأخيرة لما لم يتعرض له على مدى 45 عاماً في الممارسة السياسية، وهو يقصد هنا الضغوط التي مورست عليه لينسحب من الانتخابات لصالح كليجدارأوغلو من جهة، واتهامه بأنه بترشحه يخدم أردوغان وينسق معه من جهة أخرى.
قال إينجة إنه ينسحب لئلا يتهم بأنه السبب في خسارة المعارضة الانتخابات، قاصداً كليجدارأوغلو، لكن انسحابه في الواقع بدا مدفوعاً بشكل أساسي بابتزاز تعرض له من رجل أعمال فتح حساباً على تويتر درج فيه على نشر مواد وفيديوهات تتهم شخصيات سياسية بالفساد، وهدد إينجة نفسه بنشر فيديوهات فاضحة له ومرر منها بعض الصور.
محاولة التأثير على السياسة عبر فضائح جنسية وأخلاقية وغيرها ليست شيئاً جديداً في تركيا. ففي أيار/مايو 2010، نشر على الانترنت مقطع جنسي لشخصين ادعي أنهما رئيس حزب الشعب الجمهوري في حينه دنيز بايكال وإحدى نواب البرلمان عن حزبه، ما دفعه للاستقالة من منصبه. كما استقال في نفس الفترة – التي كانت قبل الانتخابات التشريعية 2011 – أكثر من 10 شخصيات قيادية في حزب الحركة القومية بسبب فيديوهات مشابهة.
قبل أشهر، ظهر رجل أعمال هارب متهم بعلاقاته مع المافيا اسمه سيدات بيكار بفيديوهات متكررة صدّر فيها اتهامات بالفساد لسياسيين سابقين وحاليين قبل أن يكف عن النشر لاحقاً. وخلال الأيام القليلة الماضية ظهر حساب على تويتر لرجل أعمال حظيت عائلته تقليدياً بعلاقات جيدة مع العدالة والتنمية مشهّراً بشخصيات سياسية عديدة، وكان هذا الحساب هو من توعد إينجة بنشر الفيديو المشار له.
ولعل السؤال الأهم فيما حصل والذي يسعى الجميع للحصول على إجابة له: ما تأثير انسحاب إينجة بهذه الطريقة وهذا التوقيت على مسار الانتخابات ونتائجها من باب فرص المرشحين الآخرين؟
للأسف لا يوجد لهذا السؤال المهم إجابة واضحة وشافية، إذ هناك عدة عوامل تتداخل وتتفاعل لتحدد مسارات الإجابة. من ضمن هذه العوامل مضمون خطاب المرشح المنسحب، وتوجيهه لأنصاره، وردات فعل مختلف الأطراف، والقناعات التي تولدت أو ستتولد لدى الناخبين وتحديداً أنصار إينجة.
نظرياً يفترض بانسحاب إينجة أن يفيد كليجدارأوغلو ويعزز من فرصه، من باب التشابه بين الاثنين أيديولوجياً وسياسياً والتشابه الكبير بين أنصارهما، لكن الواقع العملي قد لا يتطابق مع ذلك.
فالأول، وإن اتهم جماعة كولن بتلفيق التهم والفيديوهات له، أشار إلى تلقف أطراف في المعارضة تلك الافتراءات ونشرها لها، كما أنه لم يدع أنصاره لدعم أي من المرشحين الثلاثة الباقين، فضلاً عن أن كلامه تضمن إيحاءات بأن الهدف من الضغط عليه الانسحاب لصالح كليجدارأوغلو ولذلك قال إنه ينسحب “حتى لا يقال أنني سبب هزيمتهم”.
من جهة ثانية، فمن تبقى من أنصار الرجل – وقد تراجعت شعبيته وقلَّ أنصاره بشكل ملحوظ مؤخراً – هم في معظمهم من الغاضبين على كليجدارأوغلو وهذا خلاف يصعّب فكرة التصويت له. كما أن الأخير وصل لرئاسة الشعب الجمهوري بعد فضيحة رئيسه الأسبق بايكال المشار لها، ما يعطي إيحاءات سلبية إضافية على انسحاب منافس له (سابقاً في الشعب الجمهوري واليوم في السباق الرئاسي) بطريقة مشابهة.
وعليه، فإن من أهم العوامل المحددة لارتدادات الانسحاب على المشهد الانتخابي هو مدى قناعة الشارع بوجود دور لكليجدارأوغلو نفسه من عدمه في المشهد الذي حصل. وهنا تتبدى أهمية تصريح الرئيس التركي الذي قال فيه إن دور الأخير في الحدث “قد يتضح يوم الجمعة أو السبت”.
كما أنه من المهم رصد كيفية استجابة إينجة لدعوة كليجدارأوغلو له للانضمام لـ”سفرة إبراهيم الخليل” أي تحالف الشعب المعارض، فضلاً عن احتمال نشر فضائح إضافية لسياسيين آخرين وفق ما يهدد به رجل الأعمال سالف الذكر.
وأخيراً، فقد سرت شائعات بأن المرشح الرابع سينان أوغان قد يكون بوارد الانسحاب كذلك بعد إلغائه نشاطاً انتخابياً له، وهو أمر نفاه أوغان نفسه لكنه إن حصل يفترض أن يفيد كليجدارأوغلو نظرياً، لكنه سيؤكد فكرة وجود أيادٍ تسعى لهندسة المشهد الانتخابي لصالح منافس أردوغان الرئيس، ما يعني أنه قد تكون هناك ردة فعل على ذلك لصالح الرئيس التركي من باب حماية سيادة البلاد وذاتية الانتخابات.
بناء على كل ما سبق، وعلى عكس بعض التوقعات وبعض استطلاعات الرأي السابقة، قد لا تتجه معظم أصوات أنصار إينجة لكليجدارأوغلو، وإنما لسينان أوغان. بينما قد يقاطع البعض وقد يصوت البعض لكليجدارأوغلو والبعض الآخر لأردوغان نفسه.
أكثر من ذلك، نعتقد أن تأثير الانسحاب على نتائج الانتخابات الرئاسية ينبغي أن يضع في حسبانه ليس فقط توجهات التصويت لدى الأنصار الحاليين لإينجة، ولكن كذلك أنصار الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها الشعب الجمهوري والأحزاب المحافظة المتحالفة معه، فضلاً عن فئة المترددين القادرة على حسم الانتخابات، لا سيما إذا ما تعزز الإيحاء بوجود دور مباشر لكليجدارأوغلو فيما حدث.
من هذا المنظور، يعزز انسحاب إينجة نسبياً فرص حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، لكنه لا يحسمها تماماً. فعلى الأغلب أن الرئاسيات ما زالت ستحتاج لجولة إعادة على الرغم مما حصل.
يؤكد كل ما سبق مجدداً أننا أمام الانتخابات الأصعب والأكثر سخونة وحساسية في تركيا منذ عقود، وتبدو البلاد معها وبعدها فعلاً أمام مفترق طرق، وقد يكون ذلك من ضمن أسباب الاستماتة في محاولات الفوز بالانتخابات بما في ذلك اللجوء للضرب تحت الحزام. وعليه، ستكون الساعات المتبقية حتى موعد الانتخابات في منتهى الأهمية لمتابعة سير الأحداث وتأثيرها على العملية الانتخابية.