الانتخابات البرلمانية التركية ومشروع تركيا الجديدة

في السابع من حزيران/يونيو الجاري، ستكون تركيا على موعد مع استحقاق انتخابي جديد، لكنه مختلف عن كل ما سبقه من استحقاقات. صحيح أن كل انتخابات سابقة كان لها أهميتها وخطورتها وحساباتها الخاصة بها، غير أن الانتخابات الحالية مختلفة السياق والتوقعات والانعكاسات تماماً.

 

أسئلة الانتخابات وسياقها

في اختلاف واضح عن كل سابقاتها، لا تبدو المعركة الانتخابية القادمة مجهولة النتائج، باعتبار أن أغلب استطلاعات الرأي قد اجمعت على تقديرات متقاربة للأحزاب المشاركة. والحال كذلك، فنحن لسنا أمام احتمالات مفاجآت ضخمة، والنقاش المطروح ليس عن الحزب الذي سيتقدم باقي الأحزاب أو عن شكل الحكومة المقبلة، فهذه الأسئلة تبدو محسومة الإجابة منذ الآن.

لكن ذلك لا يعني أن الانتخابات القادمة قد فقدت قيمتها أو حماستها أو أهميتها، بل على العكس تماماً، فهي الأهم والأخطر ربما في التاريخ التركي الحديث، باعتبار ما هو متعلق بنتائجها. فملفات ما بعد الانتخابات أبعد من مجرد تشكيل الحكومة وإعلان بيانها الوزاري، إذ ما هو على المحك فعلاً هو مدى قدرة الحزب الحاكم على إعادة صياغة الدستور، وتغيير النظام السياسي في البلاد إلى رئاسي، وحل المشكلة الكردية المستعصية سلمياً.

 

العدالة والتنمية والفترة الرابعة

يبدو العدالة والتنمية بلا منافس حقيقي في الانتخابات القادمة، والتي يخوضها متسلحاً بإنجازاته التي حققها لتركيا على مدى 13 عاماً، في مختلف المجالات وخاصة الاقتصاد والسياسة الخارجية والإصلاحات الديمقراطية، ومقدماً برنامجاً انتخابياً أبعد بكثير من عام 2015، تحديداً عام 2023 وحلم “تركيا الجديدة” أو “تركيا الكبيرة”.

فالحزب، الذي تعطيه معظم استطلاعات الرأي نسبة 45-48% من الأصوات، لا يبدو قلقاً بخصوص الفترة الرابعة على التوالي لحكمه تركيا منذ عام 2002، ولذا فهو يقدم رسالة ثقة واستقرار من خلال رؤية واضحة وخطة متكاملة يسعى من خلالها إلى تأسييس الجمهورية التركية الثانية على أسس جديدة. في هذا الإطار فالتحديات الحقيقية، وعلى رأسها الدستور الجديد والنظام الرئاسي، مرتبطة مباشرة بمدى قدرته على إيصال 367 نائباً من أصل 550 (أي نسبة الثلثين، وهو أمر مستبعد جداً) لتمرير ذلك عبر البرلمان، أو على الأقل 276 نائباً (النصف زائد واحد) ليتمكن من عرضه على استفتاء شعبي.

من ناحية أخرى، لا تبدو المنافسة الانتخابية بلا معوقات أو تحديات، فالحزب يخوضها بلا قادة الصف الأول فيه من المؤسسين، وعلى رأسهم الرئيس اردوغان والرئيس السابق غل و70 نائباً لا يحق لهم الترشح وفق النظام الأساسي للحزب لترشحهم لثلاث دورات متتالية، بينما يتوقع عدد من استطلاعات الرأي تراجعاً طفيفاً في نسبة التصويت له بسبب ما اعتبره البعض “تنازلات” قدمها لحزب العمال الكردستاني في سبيل حل المشكلة الكردية سياسياً.

 

الشعب الجمهوري والحركة القومية .. مكانك راوح

أما في معسكر المعارضة فأيضاً لا جديد، إذ رغم أن حزبَيْها الرئيسَيْن، الشعب الجمهوري (الكمالي) والحركة القومية، قدّما قائمة بوعود انتخابية وردية وأحلاماً بالوصول لكرسي الحكم، إلا أن حظوظهما في الفوز في الانتخابات تبدو محدودة جداً في غياب المفاجآت غير المحسوبة.

يبدو حزب الشعب الجمهوري في موقف لا يحسد عليه بعد النتائج المخيبة للآمال في كل الانتخابات التي دخلها تحت قيادة رئيسه كمال كليتشدار أوغلو، ثم ارتفاع الأصوات المعارضة له ولسياساته داخل أروقة الحزب وهو ما أدى إلى عقد هيئة عمومية استثنائية أعادت انتخابه لكنها كرست الشرخ، ثم أفرزت انشقاقاً بخروج مجموعة من التيار الكمالي “الوطني” من صفوفه ليؤسسوا حزب الأناضول، وهو ما قد يؤشر على تراجع نسبة التصويت له، التي تتوقع معظم استطلاعات الرأي أن تكون في حدود 24-28%.

من جهته، يبدو حزب الحركة القومية مطمئناً لتمثيله في البرلمان القادم بل وربما يزيد من عدد نوابه فيه، حيث تتوقع له استطلاعات الرأي نسبة 13-18% من الأصوات، خصوصاً مع توقعات بتوجه بعض الأصوات من العدالة والتنمية إليه، على خلفية “عملية التسوية” بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني التي يعارضها الحزب ويعتبر أنها تضر بالأمن القومي التركي وتزيد من خطر التقسيم.

لكن الحزبين المذكورين على موعد مع حساب عسير من أنصارهما في حال كان التراجع والفشل نصيبهما في الانتخابات، خصوصاً وأن العدالة والتنمية يكرر دوماً استعداد رئيسه للاستقالة في حال عدم الفوز، ثم استثمر استقالة رؤساء الأحزاب البريطانية المعارضة التي خسرت الانتخابات مؤخراً للضغط على المعارضة التركية، التي اضطر قادتها في النهاية للإقرار بضرورة التغيير في حال الفشل.

 

حزب الشعوب الديمقراطي .. بيضة القبان

آخر الأحزاب الممثلة في البرلمان الحالي هو حزب الشعوب الديمقراطي ذو الجذور الكردية، والذي ينظر له على أنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، والذي قرر أن يخوض الانتخابات هذه المرة بقائمة حزبية بعد أن كان أفراده يخوضونها سابقاً كمستقلين قبل تأسيس كتلة برلمانية منهم.

لكن خفوت صوت السلاح في البلاد، وسير عجلات العملية السياسية لحل الأزمة الكردية، ثم تحول نسبة لا بأس بها من أصوات اليساريين من الشعب الجمهوري نحوه قد شجعت الحزب على هذه المغامرة الكبيرة.

تحدي الحزب إذاً هو مدى قدرته على تخطي حاجز 10% المطلوب لدخول البرلمان، وهو الأمر الذي تبدو دونه صعوبات كبيرة، حيث تعطيه استطلاعات الرأي ما نسبته 7-9% فقط، بينما يبدو هو واثقاً من الفوز ودخول البرلمان ولعب دور محوري في عملية السلام وصياغة الدستور الجديد الذي يفترض أن يعيد تعريف المواطنة معترفاً بالحقوق السياسية والثقافية للأكراد.

 

حزب السعادة وجماعة كولن

أما حزب السعادة، وريث وممثل حركة الراحل نجم الدين أربكان “ميللي غوروش”، فلا يبدو – مجدداً – قادراً على دخول البرلمان رغم تحالفه الانتخابي مع حزب الاتحاد الكبير ذي التوجه الإسلامي – القومي، بعد خروج رئيسه السابق نعمان كورتلموش ومجموعته من الحزب، وجمود الفكر السياسي والأداء الميداني للسعادة منذ فترة طويلة، حتى بات يوصف بأنه “حزب العواجيز”، ولذلك فلا تعطي استطلاعات الرأي لهذا التحالف أكثر من 3% لن تكون كافية لحجز أي مقعد في مجلس الشعب القادم.

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

كيف تدار الحملات الانتخابية في تركيا

المقالة التالية

العدالة والتنمية يدق نواقيس الخطر قبيل الانتخابات

المنشورات ذات الصلة