الاستراتيجية التركية لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي

 

 

الاستراتيجية التركية لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي

 

 

المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

شهدت الساحة السورية مؤخراً عدداً من التطورات المرتبطة بشكل مباشر بالمشروع السياسي الكردي في شمال سوريا، دعماً وحماية، الأمر الذي أثار حفيظة أنقرة بشكل ملحوظ. فبعد تسليم وحدات حماية الشعب (YPG) بعض القرى في محيط مدينة منبج للنظام السوري وفق اتفاق رعته روسيا منعاً لسيطرة القوات التركية ومجموعات الجيش السوري الحر عليها وانتشار قوات أمريكية في شمال وشرق المدينة قبل أيام، قامت القوات الأمريكية بإنزال مشترك مع قوات سوريا الديمقراطية (التي تشكل وحدات الحماية غالبيتها العظمى) عند سد الطبقة في محافظة الرقة، كما أعلن البنتاغون أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل رئيسي على قوات سوريا الديمقراطية في معركة الرقة رغم التحفظات والشروط التركية.

من جهة أخرى، أعلنت المصادر الكردية عن اتفاق مع موسكو لإنشاء قاعدة عسكرية روسية في عفرين، وهو الأمر الذي نفته موسكو وقالت إن ما ستفعله هو مجرد فتح مركز لمراقبة وقف إطلاق النار. بيد أن هذا النفي لم يبد مقنعاً جداً لتركيا التي تلعب كل هذه التطورات المتزامنة والمتتالية على وتر هواجسها من مشروع الدويلة الكردية على حدودها الجنوبية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبره الفرعَ السوري لحزب العمال الكردستاني وتصنفه مع ذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب على قوائم الإرهاب الخاصة بها.

ولذلك تحديداً ترى تركيا في هذا المشروع خطاً أحمر تحذر من تجاوزه وتحقيقه، كما تعتبره خطراً على أمنها القومي لعدة مسوغات، أهمها:

أولاً، أن العلاقة العضوية بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يخوض ضد الدولة التركية حرباً انفصالية منذ 1984 قد تجعل من أي كيان سياسي كردي في شمال سوريا فرصة لتهريب الأسلحة إلى داخل تركيا ومنصة لإطلاق عمليات عسكرية ضدها كما حصل في العراق بعد حرب الخليج الثانية وتكرس بشكل ملحوظ إثر الغزو الأمريكي عام 2003.

ثانياً، أن هذا المشروع سيكون بالضرورة – وفق المعطيات والسياسات الحالية – حاجزاً جغرافياً وبشرياً واستراتيجياً بينها وبين والعالم العربي، إضافة لكونه تفصيلاً في سيناريو أشمل قد يتضمن تقسيم سوريا عاجلاً أم آجلاً وهو أمر سيكون له انعكاساته السلبية المباشرة على تركيا نفسها.

ثالثاً، تأثيراته المباشرة على المسألة الكردية في تركيا من حيث رفع سقف المطالب السياسية للحركة الكردية وتقوية موقف العمال الكردستاني في أي حل سياسي مقبل، بما قد يعني الخروج من الحل المحلي السلمي (ولو لاحقاً) إلى التأزيم والتدويل.

ثمة سرديات عدة يعتمدها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أسس عام 2003 بقرار من المؤتمر الأول لمجلس كردستان للحرية والديمقراطية (KADEK) لكسب المشروعية والتعاطف والتأييد والدعم وبالتالي السيطرة والتمدد، أهمها المظلومية الكردية التاريخية واحتكاره لتمثيل الأكراد السوريين وتقديم نفسه كأفضل الأطراف السورية القادرة على مواجهة تنظيم الدولة – داعش وراغبة في ذلك ومقبولة خارجياً وبالذات أمريكياً.

في المقابل، يمكن تلمس الخوط العريضة التالية للاستراتيجية التركية لدحض هذه السرديات وتفنيدها، وبالتالي الحيلولة دون تبلور المشروع السياسي الكردي على حدودها الجنوبية:

الأول، تفنيد ادعاء عدائها للقومية الكردية بالانفتاح على رئيس إقليم شمال (كردستان) العراق مسعود البارزاني والمجلس الوطني الكردي السوري وإبراز القيادات الكردية في حزب العدالة والتنمية والحكومة، والعمل على كسر احتكار حزب الاتحاد الديمقراطي لتمثيل الأكراد السوريين من خلال التركيز على المجلس الوطني الكردي وإشراك ممثلين عنه في المفاوضات السياسية، والسعي مع البارزاني لنقل “بيشمركة روج آفا” إلى سوريا وهي مجموعات مسلحة كردية أسست ودربت برعاية الطرفين وتعتبر الذراع العسكرية للمجلس.

الثاني، الحيلولة دون التواصل الجغرافي بين الكانتونات التي يسيطر عليها الحزب في سوريا، عين العرب/كوباني والجزيرة في الشرق وعفرين في الغرب. وقد حاولت تركيا ذلك أولاً عبر الدبلماسية والخطاب السياسي بالتحذير من تجاوز خطوطها الحمراء غرب الفرات وشرق عفرين، ثم ميدانياً عبر القصف المدفعي خلال الأزمة مع روسيا التي منعتها من التحليق فوق سوريا، ثم اضطرت أخيراً إلى التدخل العسكري المباشر على الأرض في إطار عملية درع الفرات، سيما مرحلتها الثالثة في الباب.

الثالث، مواجهة سردية تفرد الحزب بالجاهزية والكفاءة لمكافحة تنظيم الدولة عبر تقديم الجيش السوري الحر كبديل تم تدريبه واختباره عملياً في درع الفرات، إضافة لاشتراطها استثناء الحزب من معركة تحرير الرقة لمشاركتها هي بهدف تحديد وتأطير نفوذه في رسم مستقبل سوريا.

الرابع، محاولة إقناع مختلف الأطراف الفاعلة في سوريا، سيما الولايات المتحدة وروسيا، بتصنيفه على قوائم الإرهاب وإيقاف الدعم المقدم له بتقديم أدلة على علاقته العضوية بحزب العمال الكردستاني، إضافة للإصرار على وضع فيتو على مشاركته في مفاوضات جنيف وأستانا لنزع الشرعية عنه، وهو الأمر الذي نجحت به أنقرة حتى الآن.

أقول حتى الآن، لأن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي التقليدي لأنقرة ما زالت مصرة على محورية دور وحدات الحماية وقوات سوريا الديمقراطية في معركة الرقة، ولأن روسيا التي تحكم علاقاتها معها مؤخراً تفاهمات حول الأزمة السورية تصر على إشراك حزب الاتحاد في المفاوضات السياسية إضافة لإشارات الإدارات الذاتية المتضمنة في مسودة الدستور التي سلمتها مؤخراً للنظام والمعارضة.

لمذا تفعل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كل ذلك ضاربَيْن عرض الحائط بتحفظات تركيا وتهديداتها على حد سواء، وهل أنقرة مستعدة للذهاب إلى آخر الشوط لمنع ذلك رغم الدعم الأمريكي – الروسي الواضح لحزب الاتحاد الديمقراطي وتحمل كافة التبعات، وهل يمكن أن تنجح في منع الدويلة أو الممر الكردي من التحول إلى أمر واقع في نهاية المطاف أم جل ما تستطيعه تأجيله وإعاقته مرحلياً ومؤقتاً؟.

أسئلة تحتاج تحليلاً مسهباً ومساحة أوسع من المتاح في هذا المقال، فنترك محاولة الإجابة عنها للمقال القادم إن شاء الله.

 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

هل اصطدمت درع الفرات بفيتو أمريكي - روسي؟

المقالة التالية

ملف اللاجئين يوتر العلاقات التركية - الإيرانية

المنشورات ذات الصلة