اغتيال العاروري .. مقدمة لوقف الحرب أم تصعيدها؟
أقدمت قوات الاحتلال على اغتيال الرجل الثاني في حركة حماس، ونائب رئيس مكتبها السياسي الشيخ صالح العاروري، واضعة المنطقة على منعطف خطر واحتمالات تصعيد غير مسبوقة.
العاروري
مساء يوم الثلاثاء، الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري، أقدمت قوات الاحتلال – دون إعلان تبنٍّ مباشر – على اغتيال الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مع اثنين من قيادات القسام -سمير فندي وعزام الأقرع- وأربعة كوادر من الحركة، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت؛ أي في منطقة نفوذ، وسيطرة حزب الله.
تهديد “إسرائيل” باغتيال العاروري ليس جديدًا بل هو سابق على معركة “طوفان الأقصى”، إذ تحمله مسؤولية العمليات المتصاعدة في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، إضافة لعمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان والتي بدأت في معركة “سيف القدس” في 2021. لدرجة أن آخر لقاء للعاروري قبيل بدء معركة “طوفان الأقصى” كان حول تهديدات الحكومة “الإسرائيلية” باغتياله.
وقد تجدّدت هذه التهديدات خلال العدوان الحالي، حيث قالت تقارير عبرية: إن نتنياهو كلف الموساد باغتيال قيادات حماس في كل من لبنان وقطر وتركيا، وكان العاروري بطبيعة الحال أحدهم، بل في مقدمتهم.
عملية الاغتيال حدث ضخم يكاد يكون الأول من نوعه منذ أكثر من ثلاثة أو أربعة عقود في بيروت، فالرجل لم يكن عاديًا في حماس ولا بالنسبة لحزب الله.
يُنظر للعاروري على أنه مرجعية شرعية بالنظر لدراسته، وخاض تجربة أسْر طويلة تقترب من عقدين، إضافة لكونه عقلية سياسية وإستراتيجية فذة، وهو أحد مؤسسي “كتائب القسام” في الضفة الغربية، ورئيس إقليم الضفة في حركته، والرقم الثاني في الأخيرة، إذ تقلد منصب نائب رئيس مكتبها السياسي لسنوات طويلة.
الدوافع
ثمة أسئلة كثيرة تدور حول عملية الاغتيال، من حيث الشخصية والتوقيت والسياق والشكل، لكن أحد أهم الأسئلة يتعلق بالدور الأميركي فيها.
هناك نظريتان لما يتعلق بدور واشنطن في العملية؛ الأولى تقول؛ إنها مشاركة في العملية، وإن الإعلان عن سحب حاملة الطائرات “فورد” من البحر المتوسط جزء من التمويه المرتبط بها، بينما ترجح الثانية أن الاغتيال كان “إسرائيليًا” من الألف للياء، وأن واشنطن أُخطرت به فقط خلال تنفيذه. وقد كان لافتًا مسارعة مسؤولين أميركيين للتنصل من العملية، ونفي أي دور أميركي فيها أو حتى معرفة مسبقة بها.
بالنظر للمعطيات المتاحة، نرجّح الاحتمال الثاني أي أن تكون واشنطن علمت بالعملية قبيل أو خلال تنفيذها، لكن ذلك لا يعني أنها تعارضها أو ستحتجّ على “إسرائيل” بسبب تنفيذها، فقد كانت الإدارة الأميركية وضعت جائزة مجزية لمن يقدم معلومات توصل إليه.
السؤال الثاني؛ يتعلق بالدوافع. فقد كان نتنياهو يواجه ضغوطًا متعددة ومركبة، أولها؛ ضغط داخلي من الرأي العام، وخصوصًا أهالي الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية؛ لإنهاء الحرب واستعادة الأسرى بالتفاوض.
والثالث هو الضغط الأميركي باتجاه تغيير نمط الحرب وتخفيف وتيرة القتل والدمار فيها ومحاولة التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب في غزّة، وهي نقطة خلاف أساسية بين واشنطن وتل أبيب.
ويمكن وضع الاتصال الذي وصف بالمتوتر بين بايدن ونتنياهو قبل أيام، والإعلان عن سحب حاملة الطائرات من المتوسط وحتى زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن لدولة الاحتلال، في إطار هذه الضغوط.
وعليه، فإنه كلما امتدّت الحرب زمنيًا، ضاقت الخيارات أمام نتنياهو أكثر، لا سيما مع الفشل الكبير في تحقيق أي من أهداف الحرب الرئيسة المعلنة، ما يعني أن ضيق الهامش الزمني يزيد من الضغوط على نتنياهو وشركائه، ويدفعهم للبحث عن أي صورة للنصر أو الإنجاز.
وهنا، ينبغي الإشارة إلى سعي الولايات المتحدة منذ بداية الحرب لحصرها في غزة وضد حماس، وتجنّب توسعها لتشمل أطرافًا أخرى، وتحديدًا حزب الله في لبنان، مقابل رغبة نتنياهو بتوسيعها وتوريط واشنطن في مواجهة إقليمية، سترفع من فرص الانتصار بها من جهة، وتقلل -نظريًا- من مسؤوليته هو عن نتائجِها.
لكن، ورغم ما سبق، لا ينبغي أبدًا استبعاد فرضية التخبط والتسرع بل والتهور في قرار من هذا النوع، فذلك هو ديدن قيادات الاحتلال السياسية والعسكرية منذ بداية الحرب، ولا يبدو أنها قدّرت فعلًا ثقل الحدث ومآلاته عليها بشكل دقيق.
المآلات
المعطيات السابقة وتجنب الاحتلال تبني عملية الاغتيال بشكل رسمي (حتى لحظة كتابة هذه السطور) يضعفان من فرص إعلان نتنياهو إنهاء العملية البرية أو الانتقال بها سريعًا لمرحلة جديدة بين يدي هذا “الإنجاز” الكبير.
كما أن رد حماس وكتائب القسام على اغتيال قائدهم قد لا يخرج عن سياق الحرب الدائرة أصلًا في قطاع غزة، مع احتمال تصاعد المواجهة في الضفة الغربية مسقط رأس العاروري.
وعليه، يبقى هناك سيناريوهان محتملان بشكل أساسي، أولهما؛ محاولة احتواء تداعيات عملية الاغتيال والإبقاء على قواعد الاشتباك الحالية، والثاني توسع المواجهة؛ بسبب الردود على الاغتيال وتحديدًا في جنوب لبنان.
فقد حافظ حزب الله حتى عملية الاغتيال على مستوى معين من الانخراط في المعركة، وانضباط في إطار قواعد الاشتباك، بحيث لا يسمح بالاستفراد بغزة تمامًا، ولكن أيضًا لا يدفع لحرب شاملة مع الاحتلال.
الآن، ورغم أن المصلحة المباشرة للحزب قد لا تكون في توسيع المواجهة -من باب أن الاحتلال هو من بادر للاغتيال، وبالتالي فهو مستعد أكثر للردود والتداعيات، حيث أفقد الحزب عامل المفاجأة وكذلك من باب أن هدف نتنياهو من البداية توسيع المواجهة كما سلف- فإن الحزب يبدو مضطرًا للرد.
فالعاروري ليس شخصية عادية في حركة حماس، وكذلك بالنسبة لحزب الله نفسه، وقد كان في الضاحية الجنوبية؛ أي في “ضيافة” الحزب وتحت حمايته إن جاز التعبير، حيث يقع على الأخير تأمين المنطقة بالعموم.
كما أنه سبق للأمين العام للحزب حسن نصر الله أن تعهد بـ “رد فعل قوي” على اغتيال أي شخص على الأراضي اللبنانية، فضلًا عن أن العاروري طالما نظّر ودعا لفكرة “وحدة الساحات” بين فصائل المقاومة جميعها.
بيان النعي الذي أصدره حزب الله يشير لهذا المعنى إذ يتحدث البيان عن “الحرب بين العدو ومحور المقاومة”، وعدَّ الاغتيال “اعتداء خطيرًا على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته” مؤكدًا على أنه “لن يمر أبدًا دون رد وعقاب”، وعلى أن “هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام”. وبالتالي، فالحزب يبدو مضطرًا للرد، وبيانه يلزمه بذلك، بغض النظر عن الشكل والكيفية والتوقيت والمكان.
وبالتالي، قد يأتي رد حزب الله على اغتيال العاروري سريعًا، وقد يتمهل فيه الأخير قليلًا، وقد يكون ردًا عسكريًا مباشرًا (وهو الأرجح)، أو عملًا أمنيًا غير مباشر، ولكل منهما عدة خيارات ومروحة من الأشكال والتوقيتات والأمكنة.
لكن في كل الأحوال، فإن رد حزب الله المنتظر سيكون في مقدمة العوامل التي ستفرض إلى حد كبير السيناريو الذي ستسير فيه الأمور بعد عملية اغتيال العاروري في ضاحيته الجنوبية.