أهداف أكشنار من الانسحاب من الطاولة السداسية 

أهداف أكشنار من الانسحاب من الطاولة السداسية 

عربي21، 5 آذار/مارس 2023 

 

يُعرف عن رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي أن له مواقف وقرارات مفاجئة وصادمة لكن مؤثرة بشكل كبير في السياسة الداخلية لبلاده. ولعل دعوته لانتخابات مبكرة في 2002 حين كان مشاركاً في الائتلاف الحكومي (الانتخابات التي أتت بالعدالة والتنمية) ودعوته لإقرار النظام الرئاسي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ثم لتبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2018 من أهم الأمثلة على ذلك. كما أنه معروف بتبديل المواقف والتحالفات كذلك، حيث كان من ألد أعداء أردوغان في انتخابات 2014 الرئاسية، ليصبح في 2018 حليفه. 

وتعد ميرال أكشنار من مدرسة بهجلي من هذه الزاوية وقد كانت لسنوات طويلة قيادية في الحركة القومية قبل أن تستقيل منه لتؤسس وترأس الحزب الجيد. قبل ذلك كانت “المرأة الحديدية” وزيرة الداخلية في حكومة ائتلافية في تسعينات القرن الماضي عن حزب الطريق القويم قبل أن تترك الحزب لتكون من مؤسسي العدالة والتنمية، والذي تركته كذلك بعدها بشهور لتنضم للحركة القومية. 

اليوم، تخرج أكشنار بحزبها من الطاولة السداسية التي كان يشكل الحزب الثاني فيها في مغامرة بل ربما مقامرة كبيرة، فقد كانت قالت إن الذي ينفصل عن الطاولة السداسية سيكون مسؤولاً عن فشل المعارضة وفوز أردوغان مجدداً. ورغم ذلك فقد فعلت ما فعلت. 

الانتخابات ليست بحد ذاتها هدف أكشنار والحزب الجيد. فهدفها الأكبر أن يتحول حزبها لأكبر أحزاب المعارضة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة بل ربما الحزب الأول فيه في حال تراجع حضور العدالة والتنمية، حيث إن استطلاعات الرأي تمنح حزبها نتائج تتحسن بشكل مستمر. 

كما أنها تدرك أن دولت بهجلي تقدم في السن وأنهكه المرض، فتطمح لأن ترث حزب الحركة القومية بقياداته وكوادره وأنصاره، وتتحول للحزب القومي الرئيس في البلاد، إذ أن الحزب الجيد يتشاطر الأيدلوجيا والأفكار ذاتها مع الحركة القومية الذي انشق عنه لخلافات مع رئيسه. 

من جهة ثانية، تقدم أكشنار حزبها كـ”حزب لكل تركيا” طامعة في أن تتموضع في قلب السياسة التركية ممثلة لتيار يمين الوسط الغالب في الشارع التركي، والذي يتقدمه اليوم العدالة والتنمية. 

أما فيما يخص الانتخابات المقبلة، فتسعى أكشنار بعد أولوية البرلمان – لأن يكون لها الفضل الأكبر في انتخاب الرئيس المقبل من خلال تسميته والتصويت له، فتكون “صانعة الملوك” بحق بعد أن كانت ساهمت في هزيمة العدالة والتنمية في بلديتي أنقرة وإسطنبول تحديداً، وما زالت حتى اليوم تقول إنها هي “من أمّن فوز منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو” في البلديتين على التوالي. 

لم يكن موقف أكشنار وحزبها من ترشيح كليتشدار أوغلو خافياً أو سراً، فقد كانت تردد في كل حين أن المطلوب هو “مرشح قادر على الفاز” على أردوغان تعريضاً برئيس حزب الشعب الجمهوري وتزكية ليافاش و/أو إمام أوغلو. ولذلك، ثمة من يرى بين ثنايا قرارها الأخير أنها أخرِجَتْ ولم تخرج من الطاولة السداسية من خلال إصرار كليتشدار أوغلو على الترشح رغم معرفته بموقفها وإصرارها عليه. لكنها في النهاية اختارت قرارها بنفسها، وكذلك توقيت الإعلان عنه والشكل والأسلوب الحاد وباقي التفاصيل. 

تدرك ميرال أكشنار أكثر من غيرها أن أياً من يافاش وإمام أوغلو لن يقبل دعوتها للترشح، والتي تعني عملياً خروجه من حزبه (الشعب الجمهوري) واستقالته من منصب رئاسة البلدية في سبيل مغامرة غير مضمونة العواقب، إذ كيف سيضمن الفوز حين يخسر دعم حزبه أكبر أحزاب المعارضة؟! 

فإذا ما كانت أكشنار تدرك ذلك الموقف المتوقع من الرجلين، ويبدو من تصريحاتهما اللاحقة أنها لم تبرم مع أي منهما اتفاقاً مسبقاً، فلماذا أقدمت على هذا الموقف مكشوف الظهر ووضعت نفسها في موضع من فض الطاولة السداسية وحكم عليها بالفشل؟ 

المسعى الرئيس لأكشنار من خلال ما فعلته أن تقول إنها حريصة على المصلحة العامة المتمثلة بتقديم مرشح قادر على الفوز على الرئيس التركي وعدم المغامرة بتقديم مرشح (كليتشدار أوغلو) لن يستطيع ذلك. ولذلك فقد كالت التهم للأخير ومعه رؤساء الأحزاب الأربعة الأخرى من باب أنهم قدموا مصالحهم الشخصية والحزبية على مصلحة الوطن و”لم ينصاعوا لإرادة الشعب التركي”.  

وحتى لو عاد الحزب الجيد للطاولة السداسية وفق أي معادلة، وساطة أو مرشح آخر غير كليتشدار أوغلو أو غير ذلك، فما زال بإمكانها القول إنها حرصت على المصلحة وأعذرت ولكنها نزلت على رأي الأغلبية رغم عدم قناعتها. وساعتها إن فاز كليتشدار أوغلو سيكون لها فضل رئيس في ذلك، وإن خسر ستقول “لقد كنتُ على حق”، فتكسب في الحالتين في البرلمان المقبل والحياة السياسية في المدى المنظور. 

ثم إن أكشنار قد نقلت مسألة ترشيح كليتشدار أوغلو للفضاء العام والنقاش السياسي بشكل عام، فضلاً عن أن دعوتها لكل من يافاش وإمام أوغلو ستذكي بالتأكيد بعض الجدل داخل الشعب الجمهوري وربما تساهم في تعمق الخلافات داخله، إذ من المتوقع ألا يكون هناك إجماع على مسألة ترشيحه داخلياً وإن كان قد حسم هذا الأمر بقوة الصلاحيات التي يملكها كرئيس للحزب. وهنا تتمثل مصلحة كبيرة للحزب الجيد على المدى البعيد من منظور هدف التحول لحزب المعارضة الأكبر. 

يشير البعض إلى أن خطوة أكشنار قد تكون منسقة مع أردوغان، لا سيما والأخير يكرر ومعه بهجلي الدعوة لحزبها للانضمام للتحالف الحاكم، وتقول بعض الشائعات إن الفترة الأخيرة شهدت لقاءات بين الجانبين، فضلاً عن أن الفوضى والخلافات التي ظهرت بين فرقاء الطاولة السداسية تخدم أردوغان في المرحلة الحالية بالتأكيد.  

لكن بعيداً عن مدى صحة هذه الفرضية، إلا أن ما فعلته أكشنار سيرفع من احتمالات اللجوء لجولة إعادة في الانتخابات الرئاسية، لا سيما إذا ما تعدد مرشحو المعارضة. وحينها، إذ ما أبقى كليتشدار أوغلو على مسألة ترشحه، فعلى الأغلب ستجمعه جولة الإعادة مع أردوغان وحينها يتحكم ديناميات مختلفة جداً النقاش السياسي في البلاد. في حالة كهذه، من المتوقع أن تحصل لقاءات ومفاوضات ومحاولات لعقد صفقات بين مختلف الأطراف، يبدو بعضها اليوم شبه مستحيل. لكن السياسة التركية تتصف بالحركية والبراغماتية الشديدتين لا سيما بين يدي الانتخابات، ولذلك سيكون لأكشنار حينها موقف تفاوضي قوي مع الطرفين بالنظر لقوة حزبها وعدد أنصارها وتأثيرهما المتوقع في نتيجة الانتخابات. 

وفي المحصلة، ينبغي قراءة قرار أكشنار الأخير من عدة زوايا بعضها غير مرتبط أصلاً بفكرة الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكنها تبقى مغامرة كبيرة جداً ولعلها غير مضمونة العواقب على صعيد التوازنات داخل حزبها والعلاقات مع الأطراف الأخرى والفوز في الانتخابات ومرحلة ما بعدها. وقد قالت أكشنار يوماً عن الطاولة السداسية “إما أن نكتب التاريخ، وإما أن نصبح من التاريخ”. 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

تأثير الزلزال على السياسة الخارجية التركية 

المقالة التالية

تركيا: خيارات الطاولة السداسية بعد انسحاب الحزب الجيد

المنشورات ذات الصلة