أنقرة وأربيل: هل عاد الدفء في الاتجاهين؟
TRT عربي
لا يمكن عدُّ زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني لتركيا قبل أيام زيارة بروتوكولية عادية، لا بالنظر لوضع الإقليم ولا لخصوصية العلاقة بينه وبين أنقرة ولا لخلفية العلاقات المتوترة بينهما في السنتين الأخيرتين.
فرغم عدم رضا تركيا عن التطورات في العراق والمنطقة والتي أدت بعد تسعينات القرن الفائت إلى إعلان الإقليم، ورغم الحساسية التركية المعروفة بخصوص الأبعاد الإقليمية للملف الكردي، إلا أنها نسجت علاقات أكثر من جيدة مع الإقليم وزعيمه – في ذلك الوقت – مسعود بارزاني.
والأسباب الرئيسة لذلك هي اعتماد الإقليم بشكل شبه كامل على تركيا اقتصادياً، وتوفيره جزءاً من احتياجات تركيا من مواد الطاقة، والأهم هو الاختلاف البارز – بل حالة التنافس وأحياناً الصراع – بين قيادة الإقليم وقيادة حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية بسبب الحرب الانفصالية والعمليات الإرهابية التي يقودها ضد تركيا منذ 1984، بما في ذلك تعاون الإقليم مع تركيا ضد الكردستاني.
إلا أن هذه العلاقة المميزة، والتي ساهمت أحياناً في توتر العلاقات بين أنقرة وبغداد، تعرضت لهزة كبيرة عام 2017. أصرت قيادة الإقليم في ذلك الوقت على إجراء استفتاء شعبي على الاستقلال رغم تحذيرات كل من بغداد وأنقرة وطهران، في خطوة رمزية حسب وجهة نظرها ولكن خطيرة ولها تداعياتها وفق رأي الثلاثي الإقليمي.
كانت التحذيرات التركية شديدة اللهجة وحازمة إلى حد كبير، وصلت لتهديد الرئيس اردوغان بمنع تصدير المنتجات الغذائية لشمال العراق، إلا أن قيادة الإقليم مضت في خطتها وأجرت الاستفتاء، إما طمعاً بنتائجه أو لربما رهاناً على أن المسار الجيد للعلاقات مع أنقرة قد يمنع العقوبات عنها. نفذت تركيا تهديداتها رافعة من مستوى التنسيق مع كل من إيران والحكومة المركزية في بغداد، وتدهورت العلاقات سريعاًبين أنقرة وأربيل لدرجة اقتربت من مستوى القطيعة.
اليوم، يخصص رئيس حكومة الإقليم أول زيارة خارجية له لتركيا، في إشارة لم تخف على وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الذي أكد أنها ذات “دلالة رمزية” واضحة. قدم الطرفان رسائل إيجابية متبادلة، حيث أكد بارزاني بأن قيادة الإقليم لا تقر تواجد عناصر العمال الكردستاني في سنجار وعموم الأراضي العراقية،بل تقف ضده. كما ثمن بارزاني ما قدمته وتقدمه تركيا تجاه اللاجئين السوريين وخصوصاً الأكراد منهم، وهو الملف المشترك بينهما.
من جهته، شرح تشاووش أوغلو لضيفه أهداف عملية نبع السلام مؤكداً أنها لم تكن موجهة تجاه “الأكراد السوريين” وإنما المنظمات الانفصالية والإرهابية، والتي عدَّها الوزير عدواً ليس فقط لتركيا وإنما كذلك للأكراد في كل من سوريا والعراق وتركيا.
تبني هذه الزيارة على زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني لتركيا في حزيران/يونيو الفائت، والتي اعتبرت الخطوة الأولى والأكبر باتجاه ترطيب العلاقات الجافة بين الجانبين. واليوم، يأمل البارزاني الآخر بإمكانية تجاوز الجانبين لأزمة الاستفتاء والعودة للعلاقة الخاصة التي جمعتهما لسنوات طويلة.
تعاملت أنقرة مع الزيارة بإيجابية، ما يعني أنها معنية بتحسين العلاقات مع أربيل، وبالتالي يمكن توقع البناء على هذه الزيارة مستقبلاً، لا سيما في ظل منظومة المصالح التي تجمع الطرفين وتهم أنقرة بشكل أساسي وفي مقدمتها العلاقات الاقتصادية والتجارية وملف مكافحة الإرهاب.
إلا أن ذلك لا يعني عودة العلاقات لمسارها السابق بالكامل ولا تجاوز أنقرة مسار الاستفتاء وتداعياته تماماً، على الأقل في المدى المنظور، لسببين مهمين تحديداً. فمن جهة، ما زالت تركيا تنظر لخطوة الاستفتاء بسلبية شديدة على صعيد تداعياته على الملف الكردي كما على صعيد تحدي الإقليم لها والمغامرة بالعلاقات معها. ومن جهة أخرى، باتت أنقرة مؤخراً أكثر إدراكاً لأهمية العلاقات الراسخة مع الحكومات المركزية وأكثر حرصاً ألا تكون علاقاتها مع المكونات الفرعية الأخرى على حسابها ومضرة بها. ولعل ذلك مما يفسر تنامي العلاقات بين أنقرة وبغداد بشكل مضطرد في مرحلة ما بعد الاستفتاء.
ولعل تصريحات تشاووش أوغلو في حضور بارزاني حملت الشيفرات الرئيسة لذلك الموقف التركي، حين صرح بأن بلاده راغبة في تطوير العلاقات مع أربيل – ولكن –”في إطار وحدة العراق وتماسكه”، وهي إشارة مهمة تستبطن رسالة تركية واضحة لكل من بغداد وأربيل على حد سواء.