أما شهداؤنا وأسرانا فلا سلطان لكم عليهم

هنالك الكثير مما يمكن أن يقال تعليقاً على أحكام الإعدام بالجملة التي تصدرها منظومة الانقلاب القضائية في مصر، وآخرها القرار بإحالة أوراق أكثر من 200 شخص، في مقدمتهم الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي  والدكتور يوسف القرضاوي ومرشد الإخوان محمد بديع وعدد من قيادات الإخوان، إضافة لعدد من الشهداء والأسرى الفلسطينيين، لمفتي الجمهورية لأخذ رأيه في إعدامهم في قضيتي التخابر واقتحام السجون أو ما عرفت بقضية وادي النطرون.

يمكن أن يقال أن الحكم مسيس وهدفه النيل من الإخوان لكسر شوكتهم والضغط عليهم لإيقاف الحراك الشعبي المناهض للانقلاب. ويمكن أن يقال أنه محاولة للضغط الشديد لإجبار الإخوان على مصالحة ما، يكثر الحديث عنها دون أي دلائل على وجودها أصلاً.

ويمكن أن يقال أنها ضربة انتقامية قاصمة لثورة يناير بعد “مهرجان البراءة للجميع” الذي شمل كل رموز نظام مبارك، بما فيهم مبارك نفسه وأبناؤه وقاتلو المتظاهرين. ويمكن أن يقال أنها دليل على ضعف الأداء الثوري على الأرض بما يغري الانقلاب بالاستمرار في نهجه.

يمكن أن يقال أن القرار انتقام أو غباء أو تقصّد، ويمكن أن يقال أن القضية شهادة وفاة للقضاء المصري، وأنها شاهد على القضاء لا له، وأنها تحمل بذور فشلها وإبطالها لاحقاً (إن تم) حيث تتضمن تناقضات وتجاوزات كثيرة، على رأسها أسماء الشهداء والأسرى الفلسطينيين.

ذلك أن الأسير حسن سلامة مثلاً يقبع في السجون الصهيونية منذ عام 1996 ومحكوم عليه بعشرات المؤبدات، بينما الشهيد رائد العطار من حماس قضى في حرب حجارة السجيل الأخيرة، وسبقه الشهيد حسام الصانع من الجهاد الإسلامي الذي استشهد في حرب الفرقان (2008)، أي قبل الثورة المصرية بثلاث سنوات، وهو المتهم – مع غيره – وفقاً للقضاء المصري بتجاوز الحدود وكسر أبواب السجون وتحرير السجناء خلال الثورة المصرية.

يمكن أن يقال – لهذا التفصيل الأخير تحديداً – أن نظام الانقلاب يغازل الصهاينة عبر معاداة ومحاربة ومحاصرة المقاومة الفلسطينية وتجريم أبنائها (حتى ولو كانوا أسرى أو شهداء)، وبأن هذا سر نجاحه ابتداءً ثم السكوت عنه لاحقاً ثم بقائه حتى الآن، بل يمكن أن يقال أنه “ملكي أكثر من الملك” الصهيوني الذي حكم على حسن سلامة – مثلاً – بالمؤبدات بتهم قتل عشرات الصهاينة، بينما القاضي المصري لم ير له ما يناسبه إلا الموت رغم أنه في الغالب لا يعرفه ولم يره ولم يسمع حتى باسمه من قبل.

كل ذلك وأكثر منه يمكن أن يُقال ويُستثمر ويُتابع، لكنه ليس ما أردت قوله اليوم تعقيباً على أحكام الإعدام. ما أريد قوله هو رسالة لمن أصدر هذه الأحكام ولمن أوحى له – من وراء الكواليس – بها، أن كيف ستنفذون الأحكام التي أصدرتموها، وأنتم الذين صدعتمونا بالحديث عن مصر القوية ومصر القادرة والقاهرة؟؟!!.

قد أفهم أن تطبقوا حكم الإعدام على مرسي وباقي المصريين، رغم أنه أمر غير مقطوع به ودونه العديد من العقبات و/أو الحسابات الإقليمية والدولية، لكن السؤال هنا: كيف ستتمكنون من تطبيق حكمكم على الشهداء والأسرى الفلسطينيين؟

هل ستطلبون مثلاً من دولة الاحتلال تسليمكم حسن سلامة لتعدموه؟ وهل ستفعلون ذلك توسلاً بحسن العلاقات مع تل أبيب، أم استثماراً لقوة مصر التي تتشدقون بها – دون أي دليل – ليلاً ونهاراً؟ وهل ستنفذ “إسرائيل” طلبكم؟ بل الأحرى السؤال: هل ستجرؤون على طلب ذلك أصلاً؟؟

والسؤال الأهم من هذا: كيف ستعدمون الشهداء الفلسطينيين؟ هل ستدخلون غزة عسكرياً لتخرجوا الشهداء من قبورهم، ثم تنقلونهم لمصر لتعدموهم، اعتماداً على أن أجساد الشهداء لا تتحلل؟ وعلى فرض أنكم تنوون ذلك، فهل تستطيعونه؟ وهل تقدرون على دخول غزة عسكرياً، وأنتم الممرغة كرامتكم بتراب سيناء منذ أشهر؟؟!!!

ربما تستطيعون التجبر على العزل من أبناء شعبكم المصريين، لكن غزة منيعة على مرتزقة جيش “الكفتة” والمعكرونة وموديلات تسريحات الشعر. ربما تستطيعون شنق مرسي ومن معه في السجون المصرية، لكن شهداءنا وأسرانا ليس لكم عليهم أي سلطان. !!

 

Total
0
Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقال السابق

تحالف السعادة مع الاتحاد الكبير .. هل من فرصة؟

المقالة التالية

تطبيقات معاصرة لنظرية تأثير الفراشة

المنشورات ذات الصلة