أدى انتخاب جو بايدن Joe Biden رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية بعد فترة واحدة من رئاسة دونالد ترامب Donald Trump إلى حراك واسع في المنطقة، تحسباً للتغيرات المتوقعة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط عموماً وما يرتبط بحلفائها على وجه الخصوص.

وبالنظر إلى تصريحات بايدن خلال الحملة الانتخابية، وبعض المؤشرات التي رشحت بعد انتخابه، ووفق أركان إدارته، فقد تصدرت كل من مصر، والسعودية، وتركيا، والكيان الصهيوني قائمة الأطراف المترقبة لملامح العهد الأمريكي الجديد، بما شمل إعادة التموضع في بعض الملفات، وكذلك تعديل بعض السياسات والقرارات والتصريحات.

ولعل من أهم الملفات التي تحتاج بحثاً عميقاً مع الإدارة الجديدة؛ هو تأثير انتخاب بايدن على منظومة حلفاء بلاده والعلاقات البينية بينهم، وخصوصاً العلاقات التركية – الإسرائيلية المتراجعة في السنوات القليلة الأخيرة، لا سيّما وأن الجانبين قد قدما بعض الإشارات على تقارب محتمل بينهما في المستقبل القريب.


للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: تأثير انتخاب جو بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية … د. سعيد الحاج  (15 صفحة، 2.3 MB)

أولاً: العلاقات التركية – الإسرائيلية:

منذ بدئها سنة 1949، لم تسرِ العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” في منحنى مستقر، وإنما تعرضت لحالات من المد والجزر.

كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالكيان الصهيوني، ونسجت معها في السنوات الأولى علاقات متميزة تخللتها عدة اتفاقيات. فقد أسس الجانبان تحالفاً عسكرياً سنة 1958 بعد إعلان الوحدة بين مصر وسورية،[2] وأبرمتا مع إيران اتفاقية “الرمح الثلاثي”،[3] ووقعتا مع إثيوبيا اتفاقية “حزام المحيط” أو “الاتفاق الإطاري” في السنة ذاتها،[4] واستمر التعاون الاستخباري والعسكري بينهما سنوات طويلة.[5]

ثم عادت العلاقات بينهما للتوتر في سبعينيات القرن العشرين، حيث رفضت تركيا استخدام قواعدها العسكرية سنة 1973 لتزويد “إسرائيل” بالسلاح،[6] وصوَّتت لصالح قرار الأمم المتحدة United Nations رقم 3379 الذي عدَّ الصهيونية أحد أشكال العنصرية.[7] ثم عادت العلاقات لتشهد عهدها الذهبي في التسعينيات، إذ وقّع الجانبان 22 اتفاقية في مختلف المجالات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والأمنية.[8]

ومع العدالة والتنمية، شهدت السنوات الأولى علاقات دافئة، شملت زيارة كل من وزير الخارجية عبد الله جول Abdullah Gül ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان Recep Tayyip Erdoğan لـ”إسرائيل” سنة 2005.[9] كما أدارت تركيا مفاوضات غير مباشرة بينها وبين سورية سنة 2008.[10]

ثم عادت العلاقات لتتراجع بشكل ملحوظ منذ تلك السنة التي انتهت بالعدوان على قطاع غزة. فعاش الجانبان أزمات متتالية بدءاً من حادثة دافوس بين أردوغان وشمعون بيريز Shimon Peres،[11] مروراً بأزمة إهانة السفير التركي،[12] ووصولاً للقطيعة الديبلوماسية بينهما بعد الاعتداء على سفينة كسر الحصار عن غزة مافي مرمرة Mavi Marmara.أ[13]

وقّع الجانبان سنة 2016 اتفاقاً لتطبيع العلاقات الديبلوماسية بينهما،[14] إلا أن العلاقات لم تعد لسابق عهدها، بل تعرضت سنة 2018 لأزمة جديدة سحبت تركيا على إثرها سفيرها من تل أبيب، وطلبت من سفير الاحتلال مغادرة أراضيها؛ إثر التعامل العنيف مع مسيرات العودة في غزة، وتزامنها مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.[15]

وباتت تل أبيب جزءاً رئيسياً من محور إقليمي معادٍ لتركيا في مجمل قضايا المنطقة، ولا سيّما فيما يتعلق بملف شرق المتوسط، وهو محور تقوده ظاهرياً اليونان؛ وتشترك فيه قبرص اليونانية، ودولة الاحتلال، ومصر، وبعض دول الخليج، وتدعمه فرنسا بشكل واضح. ومن مظاهر هذا المحور إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط الذي استثنى تركيا على الرغم من أنها تملك أطول ساحل على شرق المتوسط،[16] ومناورات عسكرية جمعت خلال السنوات الماضية أطراف هذا المحور كإشارة على رسوخه وتعمّقه.[17]

ثانياً: إشارات على عودة العلاقات:

خلال سنة 2020، وقبل انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، صدرت إشارات من الجانبين، دلَّ بعضُها على وجود نية لإعادة النظر في مستوى العلاقات بين الجانبين واحتمال تحسّنها، وفُهم بعضها الآخر في هذا السياق. خصوصاً وأن بعض التقارير الإعلامية تحدثت عن لقاءين جمعا رئيسيّ جهاز استخبارات الجانبين في برلين وواشنطن؛ للتباحث حول قضايا إقليمية وكذلك كيفية تحسين العلاقات بينهما.[18]

1. من الإشارات الإسرائيلية:

• في 7/5/2020، ردّ حساب تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على سؤال من أحد المعلقين بالقول: “نحن فخورون بعلاقاتنا الديبلوماسية مع تركيا، ونأمل أن تقوى علاقاتنا في المستقبل”.[19]

• كان لافتاً أن الكيان الصهيوني لم يكن أحد أطراف البيان الإقليمي الخماسي الذي دان ما أسماه “تدخل تركيا عسكرياً في ليبيا وتحركاتها غير القانونية في المتوسط” في 11/5/2020.[20]

• أجرى القائمُ السابق بأعمال السفارة الإسرائيلية في تركيا، والمساعد السابق لوزير خارجية الاحتلال ألون ليل Alon Liel مقابلة مع صحيفة جمهوريت Cumhuriyet التركية في 15/5/2020، لمناسبة إعلان تشكيلة الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وقال ليل في المقابلة، إن وزيرَي الدفاع والخارجية الجديدَين يعرفان تركيا جيداً، وإن وزير الخارجية الجديد لديه مقاربة مختلفة لتركيا عن بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu وأفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman، وإنه يدرك أهمية تركيا إقليمياً. وختم ليل بأنه يتوقع أن تستقبل تل أبيب بإيجابية تهنئة وزير الخارجية التركي لنظيره الإسرائيلي، إن حصلت.[21]

• كتب القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة روي جلعاد Roy Gilead مقالاً في أحد المواقع التركية في 21/5/2020 بعنوان “المصالح المشتركة بين تركيا وإسرائيل بما فيها إدلب وكوفيد 19″، قال فيه إن الخلافات بين الجانبين كانت وستبقى، ولكن العلاقات الطبيعية بينهما ستخدم كليهما، زاعماً أن الكرة الآن في ملعب تركيا.[22]

2. من الإشارات التركية:

• في 10/4/2020، قدمت تركيا للكيان الصهيوني مستلزمات طبية على شكل صفقة بيع، وبشرط تقديم مساعدات للفلسطينيين، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا.[23]

• قالت المحامية التركية شيناي كايا Şenay Kaya، مستشارة القوات البحرية التركية في شؤون القانون البحري، في 13/5/2020 على حسابها في موقع تويتر؛ إن اتفاقاً شبيهاً بالذي وقّعته تركيا مع حكومة الوفاق الوطني الليبية “يبدو قريباً” مع “إسرائيل”.[24]

• هبوط طائرة العال الإسرائيلية في مطار إسطنبول لأول مرة منذ 10 سنين، في 24/5/2020.[25]

• في كانون الأول/ ديسمبر 2020، ادعت مواقع إخبارية أن تركيا اختارت سفيراً جديداً لها في تل أبيب ضمن مجموعة تعيينات ديبلوماسية، لكن ذلك لم يعلن رسمياً حتى كتابة هذه السطور.[26]

• في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قال مستشار الرئيس أردوغان مسعود جاشين Masoud Jashin إن بلاده ستخطو خطوتين نحو “إسرائيل” إن خطت الأولى خطوة نحوها، متوقعاً عودة العلاقات الديبلوماسية بينهما في آذار/ مارس 2021.[27]

• في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قال الرئيس التركي إن بلاده تريد علاقات أفضل مع “إسرائيل”، مؤكداً أن الحوار استمر بينهما على مستوى الاستخبارات.[28]

ثالثاً: التأثير الأمريكي على العلاقات:

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية نفوذاً ملحوظاً على السياسة الخارجية التركية عموماً، وعلى علاقاتها بالكيان الصهيوني على وجه الخصوص، كقوة عالمية عظمى، ولثقلها في النظام الدولي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولقيادتها حلف شمال الأطلسي (الناتو)The North Atlantic Treaty Organization (NATO) الذي تنتمي له تركيا، وللعلاقات الثنائية بينهما، وللقضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وكذلك للعلاقات الخاصة بين واشنطن وتل أبيب.

ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة كان لها دور في معظم محطات التقدم والتراجع في العلاقات بين الجانبين. فقد شهدت خمسينيات القرن العشرين بدء العلاقة بين أنقرة وتل أبيب وتحالفهما مرات عديدة، وهي السنوات نفسها التي سعت تركيا فيها بقوة لدخول حلف الناتو وقبول عضويتها فيه. في المقابل؛ شهدت سبعينيات القرن العشرين أزمة تركية – أمريكية على خلفية القضية القبرصية، وهي الفترة نفسها التي تراجع فيها موقف تركيا من الاحتلال بشكل ملحوظ كما سبق تفصيله.

ويمكن قول الأمر نفسه بالنسبة لتسعينيات القرن العشرين، والتي كانت الفترة الذهبية في العلاقات بين تركيا من جهة و”إسرائيل” والولايات المتحدة من جهة أخرى. بالإضافة إلى توسط الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما Barack Obama بينهما بعد أزمة ما في مرمرة، إذ قدم نتنياهو اعتذاره عن الضحايا الأتراك من هاتف أوباما الخاص.

لذلك يبدو أن طرح سؤال، أثر انتخاب بايدن على العلاقات التركية – الإسرائيلية منطقياً إلى حدٍّ كبير، خصوصاً وأنه أدى لبعض المتغيرات في تركيا داخلياً وخارجياً قرئت على أنها تفاعل مع المتغير المهم الجديد.

رابعاً: تركيا وانتخاب بايدن:

يعرف جو بايدن تركيا وتعرفه منذ سنوات طويلة، فهو سياسي مخضرم، وكان نائباً لأوباما خلال رئاسته، لكن ذلك لا يعني بالضرورة فرصة أفضل للتفاهم والحوار.

فقد سبق بايدن انتخابَه بتصريحات هاجم فيها تركيا ووصف رئيسها بـ”المستبد”، داعياً بلاده إلى دعم المعارضة لإسقاطه.[29] فإذا ما أضفنا ذلك للنهج التركي التقليدي بتفضيل الإدارات الجمهورية على الديموقراطية، أمكن أن نتوقع عدم سعادة أنقرة بانتخاب بايدن، ولعل ذلك من ضمن أسباب تأخر تهنئتها له.

وقد وضعت الإدارة الأمريكية الجديدة صفقة أس-400 أو 400- Sالصاروخية الروسية كعقبة رئيسية أمام علاقاتها مع أنقرة. أنهت إدارة ترامب فترتها بعقوبات على تركيا لهذا السبب،[30] واستهلت إدارة بايدن عملها بالتلويح بعقوبات إضافية. جاء أولها على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن Anthony Blinken الذي وصف تركيا بأنها “لا تتصرف كحليف”.[31] وثانيها على لسان الناطق باسم البنتاجون جون كيري John Kerry الذي أكد استمرار تجميد مشاركة تركيا في مشروع مقاتلات أف-35 أو 35-F للسبب ذاته.[32]

ثم أضاف السفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساترفيلد David Satterfield بأن بلاده “لا يمكنها أن تفاوض تركيا إن لم تتخلَّ كلياً عن الصفقة الروسية”.[33] ويضاف لكل ذلك تأخر اتصال بايدن بعد تنصيبه بأردوغان حتى لحظة كتابة هذه السطور، وهو أمر فُسِّر على نحو واسع كمؤشر على فتور العلاقة، ووسيلة ضغط على تركيا.

يضاف لكل ما سبق أن بعض ملامح استراتيجية بايدن المعلنة أو المتوقعة للشرق الأوسط تزيد من قلق أنقرة في ملفين تعدُّهما الأخيرة في صميم أمنها القومي. الأول توقع استمرار دعم واشنطن للميليشيات الانفصالية “الكردية” في شمال سورية، بل وازدياد مستوى هذا الدعم.[34] والثاني ملامح انحيازها لطرف اليونان في أزمة شرق المتوسط، ومن ذلك المناورات العسكرية المشتركة معها على مقربة من الحدود التركية.[35]

أخيراً، ثمة حاجة تركية لموقف أمريكي داعم لها في عدد من الملفات، وخصوصاً إدلب وليبيا والعراق، بما يخفف الضغوط عليها ويدعمها في مواجهة الخصوم والمنافسين، روسيا مثالاً.

بسبب عدد من التطورات الداخلية، والإقليمية، والدولية، في مقدمتها مجيء إدارة أمريكية ديموقراطية، خطت أنقرة عدة خطوات داخلياً وخارجياً؛ فُهم منها أنها تهدف، من ضمن ما تهدف، إلى تجنب أزمة مبكرة مع إدارة بايدن؛ ويقع في هذا الإطار، الإعلان عن إصلاحات جديدة في الاقتصاد والقضاء،[36] والإعلان عن العمل على صياغة دستور مدني جديد،[37] وتهدئة الخطاب تجاه واشنطن، وتأجيل تفعيل منظومة أس-400 وتقديم مقترحات بخصوصها،[38] وتغليب لغة الحوار والتعاون مع عدد من الأطراف في مقدمتها مصر، واليونان، والاتحاد الأوروبي.

وإذا كانت أنقرة، كما يبدو، تسعى للاستفادة من أي وسيلة لتجنيب نفسها أزمة مع واشنطن وتعريض نفسها لعقوبات إضافية منها، فيمكن أن تراهن على أن يساعد تحسن العلاقات مع تل أبيب في ذلك.

خامساً: دوافع التقارب وعقباته:

تظهر المؤشرات العامة أن تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني قد خرج بالنسبة لتركيا من إطار نقاش الفكرة بالمبدأ، إلى نقاش التفاصيل مثل التوقيت والأسلوب والمستوى.

ويجدر هنا رصد التطورات، والتوجهات، والأحداث التي تدعم التوجه نحو تحسين العلاقات وتطويرها قريباً، وبين تلك التي تدفع باتجاه التأجيل.

1. دوافع التقارب:

• كون الدفاع عن الكيان الصهيوني استراتيجية ثابتة لدى الإدارات الأمريكية، وأن مستوى علاقات أي دولة معه، هو أحد معايير تقييم تلك الدولة بالنسبة لواشنطن.

• حاجة أنقرة لموقف أمريكي داعم لها، أو على الأقل غير منحاز ضدها، في ملفات وقضايا عديدة تمثل أولوية لتركيا، كما أشرنا سابقاً.

• يُمثِّل ملف شرق المتوسط مصلحة مشتركة للجانبين، إذا ما اتفقا على ترسيم الحدود البحرية بينهما. خصوصاً وأن الملف بات أولوية للسياسية الخارجية التركية، وتنظر له أنقرة من زوايا الأمن القومي وأمن الطاقة والتنافس الجيو–سياسي في المنطقة. بالإضافة إلى أن مشروع إيست مد East Med الذي تعوّل عليه “إسرائيل” لا يمكن تنفيذه دون التنسيق مع تركيا.[39]

• إن فشل مساعي أنقرة للتقارب مع القاهرة، إن حصل، سيكون دافعاً أكبر لها للتقارب وتطوير العلاقات مع تل أبيب.

• بعض المصالح المشتركة، الحقيقية أو النسبية أو المتخيلة، بين الجانبين، مثل بعض جوانب الملف السوري.

• ملامح تغير في الموقف الإسرائيلي من تركيا، ودعوتها لضمها لمنتدى غاز شرق المتوسط بعد تردد احتمال تقاربها مع مصر.[40]

• رغبة تركيا في تفتيت أو إضعاف المحور الإقليمي المواجه لها في شرق المتوسط تحديداً، من خلال جذب أحد أطرافه والتوافق معه، حيث تـُعَدُّ “إسرائيل” ومصر من أهم أعضائه.

• رغبة تل أبيب وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى بجذب تركيا بعيداً عن إيران.

• كانت هشاشة المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي خلال الفترة الماضية من معوقات التقارب بين الجانبين، فإذا ما أنتجت الانتخابات الأخيرة استقراراً حكومياً قد يكون ذلك من مشجعات التقارب.

2. مُعوِّقات التقارب:

• تذبذب العلاقات بين الجانبين في السنوات الماضية، وعدم عودتها لحالتها السابقة، على الرغم من اتفاق تطبيع العلاقات بين الجانبين.

• التراجع المتوقع لتأثير “إسرائيل” على الإدارة الأمريكية في عهد بايدن، بالمقارنة مع رئاسة ترامب.[41]

• تبدل موقف تل أبيب من تركيا مؤخراً، وتصنيفها لأول مرة ضمن المهددات للكيان الصهيوني.[42]

• عدم تحمس “إسرائيل” للتقارب مع تركيا، ورغبتها في الحصول على تنازلات منها، لتقييمها بأن حاجة تركيا لها أكبر من حاجتها هي لها. ومن جهة أخرى، استبعاد تقديم تركيا “تنازلات كبيرة” لها على صعيد العلاقات مع الفلسطينيين، أو تقديمها كل ما تريده “إسرائيل” بخصوص العلاقة مع حركة حماس.

• علاقات تل أبيب الإقليمية، وخصوصاً مع اليونان والإمارات، التي قد تحول دون تقاربها مع أنقرة.

• موقف نتنياهو السلبي من تركيا وأردوغان تحديداً.

• الخطاب التركي الحاد تجاه “إسرائيل”، وتوقع استمرار انتقاداتها لسياساتها ضدّ الفلسطينيين، حتى في حال تحسنت العلاقات معها.

• أي تقارب تركي مع مصر سيقلل كثيراً من أهمية “إسرائيل” في الرؤية التركية لملف شرق المتوسط.

• تعثُّرُ جهود تشكيل حكومة “إسرائيلية” متماسكة ومستقرة، سيكون عاملاً مثبّطاً.

خلاصة:

خلاصة ما سبق أن عدداً من المتغيرات في مقدمتها انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، دفعت تركيا للسعي لتدوير زوايا الخلاف، وتخفيف حدة المواجهة مع عدد من الأطراف، من بينها الكيان الصهيوني، وإن كانت التطورات المتعلقة بالأخير عملياً أقل بكثير مما حصل مع جهات مثل مصر والاتحاد الأوروبي. لكن يمكن القول إن نظرة أنقرة للعلاقات مع تل أبيب تختلف عنها اليوم، عما كانت عليه في 2018، وبالتالي فالعلاقات بينهما مرشحة للتحسن مستقبلاً اعتماداً على عدد من المتغيرات. لكن يمكن القول إن أياً من الجانبين ليس متحمساً جداً لهذا الأمر، أو لأن يخطو الخطوة الأولى ويقدم تنازلاً أكبر.

بيد أن المتغيرات المؤثرة في هذا المسار، وأهمها ثلاثة، مفتوحة على عدة مآلات ولا يتحكم الجانبان تماماً بها. المتغير الأول؛ هو استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع تركيا ومدى عمق الأزمة معها، وهو أمر بدت عليه بعض المؤشرات لكنه ليس مؤكداً ولا مستقراً، وقد تطرأ عليه تغييرات.

والمتغير الثاني؛ هو قرار مصر بخصوص التقارب مع تركيا وترسيم الحدود البحرية معها، بعد تكرار الأخيرة استعدادها لذلك على عدة مستويات. ذلك أن علاقة عكسية تجمع بين احتمالية تحسن علاقات أنقرة مع كل من القاهرة وتل أبيب.

والمتغير الثالث، تبعاً للسابق، هو مدى اعتبار غاز شرق المتوسط مصلحة مشتركة بين تركيا والكيان الصهيوني، إذ إن الملف تتداخل فيه عدة أطراف، وتتغير فيه بوصلة المصالح والتوافقات بشكل مستمر، حيث إن اتفاق أي طرفين يُعدّ خَصْماً من باقي الأطراف.

وعليه، يبدو من الصعب جداً توقع مآلات العلاقة بين الجانبين على وجه الدقة، لكن التقارب بينهما بات أرجح كثيراً من السنوات السابقة. فالأمر انتقل من سؤال الإمكانية والتسويغ إلى أسئلة التوقيت، والأسلوب، والمدى، وكيفية التخريج، والثمن، وهذا بحد ذاته تغير جوهري مهم بين الجانبين.


[1] طبيب فلسطيني مقيم في تركيا، وكاتب ومحلل سياسي في الشأن التركي خاصة وقضايا المنطقة عامة. وله مئات المقالات الدورية والمقابلات في الصحف والمواقع ومراكز الدراسات العربية، والقنوات الفضائية؛ بالإضافة إلى مشاركته في عدد من الملتقيات والمؤتمرات الدولية.
[2] رنا خماش، العلاقات التركية – الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية (1996 – 2009) (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 2010).
[3] المرجع نفسه.
[4] ريان ذنون العباسي، إسرائيل ومشروع جنوب شرقي الأناضول في تركيا، موقع دنيا الوطن، 19/11/2009، انظر: https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2009/11/19/180327.html
[5] قسم الأرشيف والمعلومات، تركيا والقضية الفلسطينية، سلسلة تقرير معلومات (17) (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2010)، ص 17-23.
[6] المرجع نفسه، ص 13.
[7] قرار الأمم المتحدة حول علاقة الصهيونية بالعنصرية، موقع الجزيرة.نت، 31/8/2001، انظر:  https://www.aljazeera.net
[8] قسم الأرشيف والمعلومات، تركيا والقضية الفلسطينية، ص 15.
[9] محمد نور الدين، العلاقات التركية – الإسرائيلية: مرحلة جديدة؟، صحيفة الشرق، الدوحة، 9/1/2005.
[10] مفاوضات سلام غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل برعاية تركية، صحيفة الدستور، عمّان، 22/5/2008، انظر: https://www.addustour.com
[11] أردوغان دافوس قلبت الطاولة وأحرجت الغرب، الجزيرة.نت، 31/1/2009.
[12] إسرائيل تعتذر للسفير التركي استجابة لطلب تركيا، موقع بي بي سي عربي، 13/1/2010، انظر:  https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/01/100113_mr_israelturkey_apology_tc2
[13] إسرائيل تهاجم “أسطول الحرية” المتجه إلى غزة، صحيفة الرياض، 31/5/2010، انظر:  http://www.alriyadh.com/530879
[14] أبرز بنود الاتفاق التركي الإسرائيلي، الجزيرة.نت، 27/6/2016.
[15] تركيا تطرد سفير إسرائيل وتل أبيب تطرد قنصلها بالقدس، الجزيرة.نت، 15/5/2018.
[16] أحمد قنديل، لردع تركيا أولاً، تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة دولية، صحيفة العرب، لندن، 23/9/2020، انظر: https://alarab.co.uk
[17] الإمارات وإسرائيل في مناورات عسكرية باليونان، صحيفة الشرق الأوسط، لندن، 16/1/2021، انظر: https://aawsat.com
[18] المونيتور: قناة محادثات سرية بين “إسرائيل” وتركيا، موقع قناة الميادين، 11/9/2020، انظر: https://www.almayadeen.net
[19] İsrail resmi Twiter hesabından ilginç Türkiye paylaşımı, Cumhuriyet, 12/5/2020, https://bit.ly/3w4DkTr
(مشاركة لافتة للانتباه من حساب التويتر الرسمي لـ”إسرائيل” [تتعلق] بتركيا)
[20] بيان خماسي حول تطورات الأوضاع في شرق المتوسط، موقع سبوتنيك عربي، 11/5/2020، انظر: https://arabic.sputniknews.com
[21] İsrail eski dışişleri bakan yardımcısı Alon Liel: Türkiye ile anlaşma olası değil, Cumhuriyet, 15/5/2020,   https://bit.ly/39pV2XM
(مساعد وزير خارجية إسرائيل السابق: من غير المرجح الاتفاق مع تركيا)
[22] Türkiye ve İsrail’in İdlib ve Covid19 dahil ortak çıkarları, halimiz, 21/5/2020, https://bit.ly/3rC3xWg
(المصالح المشتركة لتركيا وإسرائيل، بما في ذلك إدلب وكوفيد-19)
[23] تركيا تؤكد تزويدها إسرائيل بمعدات طبية لمواجهة “كورونا”، الشرق الأوسط، 13/4/2020.
[24] صفحة شيناي كايا على موقع تويتر، انظر:  https://twitter.com/Av_SenayKaya/status/1260325367245611008
[25] لأول مرة منذ 2010: طائرة “العال” الإسرائيلية تهبط في تركيا، موقع دي دبليو DW، 24/5/2020، انظر: https://www.dw.com/ar
[26] تركيا تعين سفيراً لها في إسرائيل، موقع روسيا اليوم، 10/12/2020. انظر: https://arabic.rt.com
[27] موقع أمريكي: انفراجة قد تطرأ على علاقة تركيا والاحتلال، موقع عربي 21، 22/12/2020، انظر: https://arabi21.com
[28] أردوغان: نريد علاقات أفضل مع إسرائيل ونهجها يحول دون ذلك، دي دبليو DW، 25/12/2020.
[29] وصفه بـ”المستبد”: بايدن يكشف استراتيجيته للإطاحة بأردوغان، موقع الحرة، 15/8/2020، انظر: https://www.alhurra.com
[30] واشنطن تفرض عقوبات على تركيا لشرائها منظومة إس 400 وروسيا تندد، موقع يورونيوز، 14/12/2020، انظر:
https://arabic.euronews.com/2020/12/14/pompeo-sanctions-turkey-s-defense-industry-for-its-purchase-russian-s-400-system
[31] مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية يقول إن تركيا لا تتصرف كحليف، روسيا اليوم، 20/1/2021.
[32] واشنطن: مشاركة تركيا في برنامج F35 لا تزال معلقة، موقع الحرة، 23/2/2021.
[33] السفير الأمريكي بأنقرة: نرغب في حل أزمة “إس400” الروسية مع تركيا بالحوار، موقع ترك برس، 19/3/2021، انظر: http://www.turkpress.co/node/79460
[34] وليد عبد الحي، القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد، موقع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/2/2021، انظر: https://www.alzaytouna.net
[35] تدريبات يونانية أمريكية قرب الحدود التركية، روسيا اليوم، 14/9/2020.
[36] أردوغان: بدأنا عهد إصلاحات اقتصادية جديدة، وكالة الأناضول للأنباء، 13/11/2020، انظر: https://www.aa.com.tr
[37] أردوغان: الدستور الجديد سيبنى على القفزات التاريخية التي تحققت في تركيا، الجزيرة.نت، 3/2/2021.
[38] وزير الدفاع التركي: تركيا قد لا تستخدم الصواريخ الروسية أس-400، يورونيوز، 9/2/2021، انظر: https://arabic.euronews.com/2021/02/09/turkish-defense-minister-turkey-may-not-use-russian- s400-missiles
[39] واقعية إنشاء خط “إيست ميد” وآثاره على دول شرق المتوسط، سبوتنيك عربي، 23/7/2020.
[40] إسرائيل تدعو تركيا للتعاون والانضمام إلى “منتدى غاز شرق المتوسط”، ترك برس، 9/3/2021، انظر: http://www.turkpress.co/node/79096
[41] وليد عبد الحي، القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/2/2021.
[42] لماذا أدرجت إسرائيل تركيا على لواح التهديد لأمنها القومي، الجزيرة.نت، 17/1/2020.