لم يكن اليوم، السادس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، يوماً عادياً في تركيا. فقد تجمع المئات من المواطنين الأتراك والنشطاء من مختلف أنحاء العالم أمام قصر “تشاغليان” للعدل في اسطنبول، للمطالبة بالعدالة والقصاص من “إسرائيل” لمهاجمتها سفينة مرمرة الزرقاء في الحادي والثلاثين من أيار/ مايو عام 2010.
تحاكم المحكمة غيابياً أربعة من قيادات المؤسسة العسكرية الصهيونية هم رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي، إضافة إلى قائدي سلاحي البحرية والجو، والرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات. ويطالب الإدعاء التركي، الذي قدم صحيفة اتهام مؤلفةً من 144 صفحة، بعقوبة السجن المؤبد للمتهمين الأربعة، بتهمة استعمال القوة المفرطة وإطلاق الرصاص على الناشطين العزل من السلاح وقتل المواطنين الأتراك التسعة.
المحاكمة التي يطلقون عليها هنا “محاكمة العصر” شغلت الرأي العام وتصدرت أخبار وسائل الإعلام المختلفة، وشهدت على هامشها العديد من اللقاءات والأنشطة والفعاليات التي نظمتها منظمة الإغاثة الإنسانية (İ.H.H.) المسيّرة لسفينة مرمرة الزرقاء، محوّلة المحاكمة إلى كرنفال ومهرجان للعدل والعدالة وحقوق الإنسان.
صفعة جديدة للصلف الصهيوني؛ هكذا يقرأ العديد ممن شاركوا سفينة مرمرة الزرقاء رحلتها نحو قطاع غزة هذه القضية، التي رفعتها منظمة الإغاثة الإنسانية وعوائل الشهداء والجرحى، والنشطاء الذين كانوا على متن السفينة.
فبعد العديد من محاولات الوساطة الفاشلة لإصلاح ما تهشّم من علاقة بين تركيا وحليفتها السابقة منها مبادرات أمريكية، والتقارير التي تحدثت عن تجنب وتجاهل الدبلوماسيين الأتراك لنظرائهم “الإسرائيليين” في مختلف المحافل الدولية، وإصرار تركيا ورئيس وزرائها على شروط الاعتذار والتعويض وكسر الحصار، تأتي هذه المحاكمة لتؤكد أن الهوة بين البلدين أوسع من أن تجسر، وأنَّ الدم لا يمكن تجاوزه بسهولة.
في المحاكمة-الحدث، ينتظر أن يمثل للشهادة ما يقرب من 490 ناشطاً كانوا على متن السفينة، حضروا جميعاً، إضافة إلى مؤسسات حقوقية ومنظمات حقوق الإنسان وسياسيين ونشطاء ورجال إعلام، ليشهدوا واحدة من أهم المحاكمات الدولية في السنوات الأخيرة.
وبغض النظر عن الحكم الذي ستصدره المحكمة، وعن مدى إمكانية تطبيقه في عصر الفيتو الأمريكي، إلا أنَّه من المؤكد أنَّ هذه المحاكمة، التي وثقت الجريمة الصهيونية، سوف تدق مسماراً آخر في نعش العلاقات التركية-الإسرائيلية، وتزيد في عزلة “إسرائيل” دولياً، وتؤسس لمحاكمات وملاحقات قانونية أخرى للقيادات العسكرية الصهيونية في كثير من دول العالم على جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني خاصة، والإنسانية عامة. محاكمة يمكن أن يبنى عليها الكثير في حال استفدنا من التجربة، ففي النهاية: ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب.