سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قراءة في خطاب اردوغان في مؤتمر الموصياد

0

كما هي العادة في كل فعالية مهمة يرعاها أو يحضرها، كان افتتاح معرض الموصياد الدولي الخامس عشر في اسطنبول فرصة مؤاتية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان ليوجه خطاباً إلى الحاضرين وعموم الشعب، متناولاً عدداً من القضايا الداخلية والخارجية المهمة.

فقد تخطى معرض الموصياد، أو جمعية رجال الأعمال والمصنّعين المستقلين، حدود المحلية ليصبح مناسبة تجمع رجال الأعمال والشركات الرائدة في تركيا والإقليم والعالم، وبذلك تصبح الرسائل التي تقال من على منبره على درجة عالية من الأهمية، سيما إذا ما قيست في إطار الظروف والأحداث السياسية المتزامنة.

وبالنظر إلى المنعطف الاستثنائي الذي تمر به تركيا والمنطقة، بين مواجهة “التنظيم الموازي” وجهود تحقيق أهداف 2023 داخلياً، واستعصاء الأزمة السورية وتشكيل التحالف الدولي خارجياً، تبدو الرسائل التي قدمها اردوغان جديرة بالاهتمام.

 

الاقتصاد، الطريق إلى تركيا الكبيرة

يمكن اعتبار الملف الاقتصادي الركن الأساس في رؤية الحكومة التركية نحو مشروع “تركيا الكبيرة” التي تهدف لتحقيقه في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية عام 2023. فالأهداف المذكورة تتعلق تحديداً بعنوانين رئيسين هما الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية، وفي العنوان الثاني تحديداً يبرز هدف “الاقتصاد العاشر عالمياً” كمعيار مهم. ولذلك كانت الإشارة الأولى لاردوغان في الخطاب المذكور هو أن هذه الفعالية بحد ذاتها، التي شهدت مشاركة 7000 رجل أعمال ومئات الشركات وعدد كبير من السياسيين والأكاديميين من 102 دولة “تظهر كم هو الاقتصاد التركي حيوي وواعد”.

وباعتبار أن هذه القفزة الكبيرة في الساحة العالمية لعالم الاقتصاد من المركز السابع عشر إلى العاشر تحتاج جهداً كبيراً وعملاً دؤوباً إضافة إلى مضاعفة الإستثمارات الخارجية، فقد حرص الرئيس التركي على التأكيد على متانة واستقرار الاقتصاد التركي، وضمانة الاستثمار الأجنبي الذي حمته الدولة في الماضي وستحميه مستقبلاً.

من ناحية أخرى كانت الأرقام والإحصاءات التي قدمها الرجل بين يدي خطابه تدعم مقارباته بشكل كبير. فرغم الأزمة الاقتصادية العالمية والتطورات السياسية والأزمات المتسارعة في المنطقة، يستمر الاقتصاد التركي بالنمو، محققاً خلال 12 عاماً من حكم العدالة والتنمية أرقاماً واضحة الدلالة. ففي حين ينمو الاقتصاد التركي بمعدل %5 سنوياً، زاد إجمالي الدخل القومي ثلاثة أضعاف، وارتفعت مساهمة أنقرة في التجارة الدولية (الصادرات التركية) خمسة أضعاف، وأغلقت الأخيرة ملف استدانتها من صندوق النقد الدولي عارضة عليه أن تقرضه خمسة مليارات دولار.

وقد حدد اردوغان عوامل عدة لنجاح اقتصاد بلاده واستمراره في النمو منها “البنية الاقتصادية القوية، البنية المالية المنظمة، الاستقرار السياسي، مناخ الأمن والثقة، والعمل الدؤوب بحماسة شديدة”، ما يجعل تركيا – وفق خطابه – بلداً فريداً وفرصة لا تتكرر للاستثمار، و”النجم الصاعد في الاقتصادَيْن الإقليمي والعالمي”.

وبناءً على هذه الرؤية، يرى “باني نهضة تركيا الحديثة” أن الأهداف الاقتصادية عالية السقف الخاصة بعام 2023 أهداف طموحة جداً ولكنها ممكنة التحقيق، مدللاً على المكانة التي وصلت إليها تركيا “بترؤسها الدوري في عام 2015 لمجموعة العشرين الاقتصادية الدولية الأمر الذي يؤهلها للمشاركة في توجيه بوصلة الاقتصاد العالمي”.

 

الأزمة السورية وغياب الموقف الدولي

ولم تغب قضايا المنطقة عن الكلمة التي حضرها رجال أعمال وسياسيون من معظم الدول العربية، بل حرص الرئيس التركي على التأكيد على الجانب الأخلاقي والمبدئي في سياسة بلاده الخارجية، موضحاً أن دعم بلاده لسوريا وليبيا والعراق وفلسطين ومصر واليمن وغيرها ليس دعماً باسم المصلحة التركية، بل “باسم الحق والعدل والإنسانية”.

وأكد اردوغان أن القضية الفلسطينية ما زالت محافظة على زخمها وعالميتها، مندداً باغتصاب حقوق وأراضي وآمال الفلسطينيين يومياً، واصفاً تدنيس قوات الاحتلال للمسجد الأقصى “بالاعتداء البربري على ثاني أقدس مسجد للمسلمين وضربة قاصمة لآمال السلام في المنطقة”.

وكما كان متوقعاً، فقد شغلت الأزمة السورية حيزاً غير ضئيل من الخطاب، الذي عاد وأكد على الرؤية التركية للحل بعد كل هذه السنوات من التراجيديا السورية، والمتمثلة برحيل نظام الأسد وتمكين الشعب السوري من حكم نفسه بنفسه دون إقصاء أحد، ثم اعتبر أن “الأسوأ من كل أزمات المنطقة هو بقاء الغرب بلا موقف واضح إزاءها”، مذكراً بعقم الجهود الدولية لحل الأزمة السورية، وغياب أي “خطوة جدية لإنهاء المشاهد والأحداث غير الإنسانية في سوريا”.

 

الخلاف مع الغرب

ولئن كان التركيز التركي على المأساة السورية والانقلاب في مصر مبدئياً وأخلاقياً في جزء منه، فهو أيضاً يفيد من ناحية أخرى تركيا في خلافها المتصاعد مع الغرب، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تحديداً. هنا، تصبح هذه القضايا التي ساهمت في زرع بذور الشقاق بين تركيا وحلفائها الغربيين عامل إسناد لموقف تركيا في مواجهتهم.

ولذلك فلا يفوّت اردوغان أي فرصة للتذكير بازدواجية المعايير الغربية، منتقداً تركيزهم على بعض الإجراءات الأمنية والأحداث السياسية في تركيا باعتبارها تؤثر على طلب عضويتها للاتحاد الأوروبي، في حين ” يفضل الاتحاد الصمت إزاء الجرائم والمجازر والانقلابات وقتل الناس والإنسانية يومياً”.

لكن سقف الخطاب التركي تخطى مواقع الدفاع ليبادر بالهجوم هنا أيضاً، فذكر الرئيس التركي نظراءه الغربيين باستحالة الحديث عن الحضارة والمدنية في الوقت الذي يقتل فيه الناس يومياً في الشرق الأوسط، بل واتهمهم – ضمناً – بافتعال الأزمات والحروب بهدف السيطرة على مصادر الطاقة في حين يصمتون “حيال قتل الإنسانية من اجل برميل نفط وحفنة ألماس”، ومتسائلاً “لماذا يتكثف الوجود الغربي في إفريقيا، ولماذا يأتون إلى الشرق الأوسط قاطعين آلاف الكيلومترات؟”.

ولئن رأى بعض المتابعين هذه اللغة غير دبلوماسية ولا معتادة في العمل السياسي، لكنها تعبير آخر وتمظهر متجدد لأزمة الثقة بين تركيا والدول الغربية، وهي أزمة عمّقها ما اعتبرته أنقرة استهدافاً لها ومحاولة لتحجيم دورها، وإظهارها كدولة داعمة للإرهاب وصاحبة اقتصاد هش.

وبكل الأحوال، فقد تكلم الرجل بما اعتدنا مؤخراً أن نسمعه منه، فامتدح تجربة بلاده الاقتصادية راسماً أهدافها عالية السقف، وجدد دعمه لقضايا العالم العربي العادلة في أكثر من بلد وفي مقدمتها سوريا وفلسطين ومصر، وانتقد الصمت الدولي ومعايير الغرب المزدوجة. وفي ظل صمت شبه مطبق على الكثير من العواصم العربية والدولية، أعلن الرجل أن تركيا ستظل صوتاً عالياً ينادي الضمير العالمي، مقرراً حقيقة يعرفها الكثيرون ولا يتحدث عنها إلا القليل وهي أن “العالم لو أراد لأمكنه حل مشاكل العراق، ووقف قتل الأطفال يومياً في سوريا، والحيلولة دون فقدان الأمهات لأطفالهن في فلسطين”.

 

 

شارك الموضوع :

اترك رداً