سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

غول واردوغان .. من الشراكة للمنافسة

0

فاجأ الرئيس التركي الأوساط السياسية قبل أيام بتصريح قال فيه أنه لا يملك خطة لمستقبله السياسي “وفق الظروف الحالية”، الأمر الذي فسر بشكل واضح على أنه انسحاب من سباق الرئاسة قبل أن يبدأ. ولا تكمن غرابة التصريح في مضمونه فقط، حيث كانت كل التقديرات تشير إلى عكس ذلك حتى لحظتها، بل في التوقيت الذي كان له دلالة عميقة جداً، إذ استبق لقاءه برئيس الوزراء اردوغان الذي كان سيتضمن حديث – ثم اتفاق – الرجلين حول انتخابات الرئاسة.

 

رفقة الدرب وقيادة المشروع

ذلك أن غول واردوغان أكثر من شريكين سياسيين، وأكثر من زميلين في تيار سياسي، بل أكثر حتى من رفيقي درب. فقد شكل الاثنان قيادة التيار الإصلاحي في حزب الرفاه بقيادة الراحل أربكان، وكان غول نفسه مرشح تيار الشباب في الانتخابات الداخلية الأخيرة في مواجهة رجائي قوطان مرشح المحافظين (ومن ورائهم أربكان)، قبل أن يقودا معاً حركة الانشقاق عن الحزب. كما كان الاثنان ضمن الأربعة المؤسسين الكبار لحزب العدالة والتنمية، الذي رئسه – مجدداً – غول نفسه في فترة الحظر السياسي على اردوغان، القائد الحقيقي لحركة الانشقاق وتأسيس الحزب الجديد.

ولتميز العلاقة بين الطرفين، فقد تنازل غول لاردوغان لاحقاً عن رئاسة الوزراء ورضي بمنصب وزير الخارجية في حكومة الأخير بعد انقضاء فترة الحظر في مشهد من التعاون والأثرة قل مثيله وأدهش الكثيرين، ثم ما لبث اردوغان أن رد له الجميل بمثيله بعد سنوات، حين أعلنه كمرشح للحزب الحاكم لرئاسة الجمهورية، وهو ما كان.

وعلى مدى سبع سنوات من تربعه على كرسي الرئاسة، كان الزعيمان في تناغم أكثر من جيد على مختلف المستويات، ولم تعان الحكومة من أي صعوبات أو إعاقات في عملها من قبل مؤسسة الرئاسة، كما كانت تعاني من الرئيس السابق أحمد نجدت سيزار، وكان هذا التناغم بين جناحي السلطة التنفيذية أحد أهم أسباب نجاح وتقدم تركيا عبر هذه السنوات.

 

اختلافات وتباينات

لكن السنة الأخيرة حملت بعض التباين في وجهات النظر والاختلاف في تقييم الأمور بين الرجلين، تحديداً منذ أحداث حديقة “جزي” في نهاية شهر أيار/مايو 2013، حيث اعتبرتها الحكومة بقيادة اردوغان محاولة لزعزعة الأمن والضغط عليها بعد دخول الكثيرين على خط المظاهرات، ولذلك فقد كان سقف خطابها مرتفعاً، بينما دافع غول عن حق المواطنين في التظاهر وانتقد أداء المؤسسة الأمنية (الحكومة، بشكل غير مباشر) خلال الأزمة.

وقد ساهمت وسائل الإعلام، تحديداً تلك التي تدور في فلك المعارضة أو جماعة “الخدمة” التابعة لفتح الله كولن، في التركيز على هذه الفروقات في التعاطي مع الأزمة بين الطرفين، بل واستثمرت ذلك لتهاجم رئيس الحكومة وتتهمه بالرعونة وافتقاد الحكمة في حل الأزمة، بينما يتمتع غول بشخصية رجل الدولة الذي يستطيع استيعاب الجميع.

أما منذ بدء الأزمة الاخيرة في 17 من كانون أول/ديسمبر 2013، فقد شهدت العلاقة بين الرئاسة والحكومة مداً وجزراً في الكثير من الملفات. فرغم أن الرئيس رفض تماماً وجود “تنظيم مواز” في الدولة غير المؤسسات المنتخبة، إلا أنه لم يوافق على كل إجراءات الحكومة في هذا الإطار، وانتقد علناً نظرية المؤامرة الخارجية معتبراً ان هناك “ثغرات” داخلية أدت إلى ذلك. وقد كان لرفض الرئيس التوقيع على بعض الإقالات أو التغييرات في مديريات الأمن أثر بالغ في تعميق هوة الخلاف بين الطرفين في أزمة كانت الحكومة تعتبرها “انقلاباً قضائياً” عليها.

ولربما يكون هذا الأداء من الرئيس في الأزمة الأخيرة قد أعطى مصداقية للإشاعات التي تتردد حول قربه من جماعة كولن، أو قوّى نظرية أنه يريد الترشح للرئاسة ويحاول أن يظهر في موقف الحيادي، وليس المؤيد للحكومة في حربها ضد التنظيم الموازي، بما يزيد من فرص حصوله على أصوات من المعارضة.

 

الانتخابات الرئاسية

أعطت الانتخابات البلدية الاخيرة لحزب العدالة والتنمية ورئيسه اردوغان دفعة قوية ومؤشرات إيجابية بخصوص الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من التصريحات التي صدرت عن أسماء كبيرة في الحزب والحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء نفسه، أوحت بأن موضوع ترشحه للرئاسة في حكم المنتهي.

لكن التحدي كان في طموح غول السياسي، وهو الذي رضي أن يبقى لسبع سنوات في منصب الرئاسة شبه البروتوكولي، فكان السيناريو الأقرب لاحتواء الطرفين وعدم تصادم خطتيهما هو التبادل وفق نموذج بوتين – ميدفيديف، بحيث يترشح اردوغان للرئاسة بينما يعود غول لرئاسة الحزب ويقوده في الانتخابات البرلمانية عام 2015، بينما كان السيناريو البديل هو بقاء كل منهما في منصبه بعد تغيير النظام الأساسي للعدالة والتنمية بما يسمح لرئيسه الحالي بقيادته للمرة الرابعة على التوالي.

لكن يبدو أن استطلاعات الرأي والاجتماعات الداخلية في الحزب الحاكم التي أبانت عدم رضا قيادات الحزب عن عودة غول بعد كل هذه السنوات لرئاسته، إما بسبب إشاعات قربه من الجماعة أو لاعتبار بعض القيادات أجدر منه بالمنصب، يبدو أن هذه التسريبات قد صدمت طموح الرئيس الحالي. لكن ما لم يستطع غول أن يتحمل – فيما يبدو – هو أن يتحول إلى رئيس وزراء ضعيف تحت جناح الرئيس القوي اردوغان، بعد أن بقي في الظل كرئيس في إطار النظام البرلماني. هذه الأسباب، وغيرها، دفعت بالرئيس الأول للعدالة والتنمية إلى التصريح بأنه لا يملك طموحاً سياسياً في ظل هذه الظروف، أي في ظل ترشح اردوغان وطموحه برئاسة متحكمة في الحكومة، مما أدى إلى ذلك التصريح المليء بالعتب والتلميحات، والمستبق للقاء الطرفين.

 

قرار غير نهائي

يوحي سياق التصريح وصياغته بالغضب أو العتب، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الوزراء أن الرئيس القادم – الذي سينتخبه الشعب لأول مرة بشكل مباشر – سيكون رئيساً “يتعب، ويركض، ويبذل العرق”. لكن التصريح يوحي أيضاً بأنه غير نهائي وغير حاسم، وعلى ذلك فإن اللقاء الذي سيجمع الزعيمين رفيقي الدرب، بعد إنهاء العدالة والتنمية مداولاته الداخلية، سيكون مهماً ومحورياً في صياغة مستقبل تركيا القريب.

إذ سيحدد اللقاء الصيغة التي سيتوافق عليها الطرفان، وإن كان الراجح عدم رجوع غول عن قراره، بما سيعطي الحزب الحاكم الحالي فرصة تقديم مرشحَيْن من صفوفه للرئاسة ثم لرئاسة الحكومة، وهو ما يزيد من فرص نجاحه في تحقيق رؤيته وخطته لتركيا المستقبل، وصولاً إلى رؤية وأهداف عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً