سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الانتخابات البلدية وانعكاساتها على الواقع التركي

0

في كلمته من فوق شرفة مقر حزبه بعد ظهور النتائج شبه الرسمية للانتخابات البلدية، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان: “ما دامت هذه الروح في هذا الجسد، فسأبقى في خدمة شعبي، في أي مسؤولية يضعها على عاتقي”. كلمة اعتبرها الكثير من المراقبين شارة البدء لحملته للانتخابات الرئاسية.

لكن ملف ترشح اردوغان للرئاسة لم يكن الملف الوحيد الذي يتوقع أن تؤثر فيه أو تحسمه الانتخابات البلدية. بل هناك عدة ملفات محلية ستؤثر فيها نتائج الجولة الانتخابية بدرجة أو باخرى، ربما ترسم مشهداً سياسياً تركياً مختلفاً في المستقبل القريب.

 

اردوغان وانتخابات الرئاسة

لم يخف اردوغان يوماً رغبته بالترشح لرئاسة الدولة بعد اثني عشر عاماً من رئاسة الوزراء، بل لم ينكر ميله لتغيير النظام البرلماني الحالي في تركيا إلى رئاسي. ولئن فشلت لجنة صياغة الدستور في تحقيق توافق بين الاحزاب المختلفة على ذلك، إلا أن هذا لا يعني أن الزعيم التركي سيغير رأيه، ذلك ان من يعرف سيرة الرجل يدرك أن آخر ما يتوقع منه بعد رئاسة ثلاث حكومات متعاقبة أن يترك العمل السياسي ويتفرغ لكتابة مذكراته.

ذلك أن نتيجة الانتخابات البلدية أعطت الرجل دفعة قوية نحو الاستمرار في مشروع ترشحه، بعد أن حُمّلت دلالات الاستفتاء على شخصه ومشروعه، كما أشارت بوضوح إلى أنه سيكون مرشحاً قوياً في انتخبات السادس عشر من آب/أغسطس وربما يستطيع حسمها من الجولة الأولى، الأمر الذي دفع زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، بعد الانتخابات مباشرة، لدعوة المعارضة للتوحد خلف مرشح واحد لسحب الباسط من تحت أقدام القائد الطموح.

ولأن شخصية كاريزمية وفاعلة مثل اردوغان لا ترضى بالبقاء على هامش المشهد السياسي، فمن غير المرجح أن يبقي منصب الرئيس بشكل الحالي شبه الفخري، ويتوقع المراقبون لجوءه لأمرين:

الأول، استثمار مادة في الدستور التركي تقول أن الرئيس “يقود” الحكومة، وهي مادة بقيت غير مفعلة حتى اليوم، ويكتفي رئيس البلاد بمهام بروتوكولية محضة.

الثاني، تعديلات دستورية، عبر الاتفاق مع المعارضة أو عبر استفتاء شعبي، تتيح للمنصب الأعلى في البلاد صلاحيات أكبر من الحالية.

وفي ظل نتيجة الانتخابات المشجعة، وتوقع حصوله على أعلى من تلك النسبة بكثير (إذ يتوقع أن تؤيده أحزاب يمينية وجماعات دينية ومستقلون)، والمؤهلات التي يملكها السياسي المحنك وخبرته العريضة، ووقوف حزبه الحاكم خلفه، وقرب موعد الاستحقاق الرئاسي، وعدم وجود منافس حقيقي في يد المعارضة، يبدو العائق الوحيد لترأس اردوغان هرم الدولة التركية هو الرئيس الحالي عبد الله غول ومستقبله السياسي. ولذلك فالمتوقع هو التشاور ثم التوافق بين رفيقي الدرب على السيناريو الأفضل، الذي سيكون في الأغلب نموذج بوتين – ميدفيديف بحيث يتعلي اردوغان كرسي الرئاسة بينما يعودج غول لرئاسة الحزب والحكومة، وربما تتضمن هذه الصيغة تبكير الانتخابات البرلمانية لتتزامن مع الرئاسية، للخروج من سؤال من يرأس الحكومة في غياب اردوغان. بينما قد تجبر أيُّ مفاجآت غير سارة الزعيمين على استمرار الوضع الحالي باستمرار غول في الرئاسة وتغيير النظام الأساسي في العدالة والتنمية بما يسمح للطيب بفترة رابعة.

 

جماعة كولن وانهيار الأسطورة

كما في أي استحقاق انتخابي في أي دولة أخرى، قد تتعد التقييمات ومعايير الفوز والخسارة بين الحكومة والمعارضة، لكن الثابت الوحيد في الانتخابات البلدية الأخيرة أن الخاسر الاكبر كان جماعة الداعية فتح الله كولن (حركة الخدمة) المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.

ذلك أن الجماعة وضعت كل بيضها في سلة الهجوم على الحكومة ومحاولة إسقاطها، وبدت واثقة من   لك، من خلال الحرب الإعلامية والتسريبات المختلفة وأذؤعها في مختلف مؤسسات الدجولة، والتحالف مع احزاب المعارضة، وإصدار تعليمات لأتباعها للتصويت لأقوى المرشحين أمام العدالة والتنتمية في كل دائرة انتنخابية على حدة.

بيد أن فوز العدالة والتنمية بنسبة تزيد على %45 (وفق نتائج غير رسمية، وبما يزيد على النسبة السابقة بـ7%)، وضع النقاط فوق الحروف، وأظهر أن الجماعة بعيدة كل البعد هن الهالة التي وضعت نفسها بها، مدعية انها سبب نجاح وشعبية الحزب الحاكم وانها القادرة على إسقاطه.

أسقط في يد الجماعة حين تأكد ان كتلتها التصويتية غير مؤثرة في نتائج الانتخابت، أو أنها على الأقل لم تستطع إقناع قاعدتها الجماهيرية بالتصويت ضد اردووغان، وهما احتمالا أحلاهما مر. وإذا ما وضعنا تصرفات الجماعة ووسائل إعلامها جنباً إلى جنب مع اداء وكالة جيهان للأنباء (التابعة لها) والتي تلاعبت بالنتائج لتقليل نسبة العدالة والتنمية والإيحاء بوجود تزوير، سنعرف ان اكثر ما خسرته هو صورتها أمام الشعب التركي.

من جهة أخرى، لا يتوقع ان يحمل المستقبل القريب أخباراً سارة لكولن، حيث أن النتيجة الكبيرة التي حققها رئيس الحكومة ستكون مرتكزاً له لتوجيه ضربات قاصمة للتنظيم الموازي، ذراع الجماعة المتنفذ في الدولة، وربما يصل الأمر لاتهام بعض قياداتها بالخيانة والإضرار بالامن القومي، ولعل ذلك ما يفسر سفر البعض منهم خارج البلاد قبيل وبعيد الانتخابات.

 

 

 

حزب الشعب الجمهوري واحتمالات الانشقاق

الخاسر الثاني في هذه المعركة الانتخابية كان زعيم حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو، الذي غامر بمستقبله حين عارض تاريخ حزبه بقرارين جريئين، اعتبرا مغامرة غير محسوبة:

الأول، التحالف مع جماعة كولن، أحد أعدائه التاريخيين، في مواجهة حزب الأغلبية، الأمر الذي لا يحظى بقبول عام داخل الحزب الكمالي العلماني، الذي يرى فيها تقليدياً حركة دينية خطيرة.

الثاني، والأخطر، هو تغيير خطاب الحزب وتوجهه في محاولة لكسب أصوات من خارج قاعدته التصويتية. في هذا الإطار رشح الحزب في مدينة أنقرة منصور يافاش، مرشح حزب الحركة القومية (اليمينية) في الانتخابات السابقة لمواجهة مرشح العدالة والتنمية القوي ورئيس البلدية الحالي، كما رشح مصطفى صاري غول المقبول من التيارات المحافظة رغم أنه كان قد طرد من الحزب قبل سنوات بدعوى الفساد المالي لبلدية اسطنبول. لكن هزيمة الحزب لاسطنبول بفارق كبير وخسارته للعاصمة (كما هو متوقع لدى الإعلان عن النتيجة الرسمية) ستجعل رئيسه أمام استحقاق دفع الفاتورة أمام قيادات حزبه الغاضبة والتي كانت ترى نفسها أحق بالترشح.

وبالتالي، يرى العديد من المراقبين أن أيام زعيم المعارضة على رأس حزبه باتت معدودة وأنه على أبواب هيئة عمومية طارئة تطيح به لصالح صاري غول نفسه، الذي يشاع أن هدفه الأول من الترشح لم يكن منصب رئيس البلدية بل الحصول على نسبة تصويت أعلى من تلك التي حازها رئيس الحزب لدى ترشحه عن نفس المدينة سابقاً (وقد حصل)، الأمر الذي يعطيه مصداقية ووجاهة لدى ترشحه لرئاسة الحزب. أما السيناريو الأسوأ لأكبر احزاب المعارضة فهو عدم التوافق على آلية الخروج من المأزق، خاصة أن كليتشدار أوغلو مصر على أنه لم يخسر الجولة الانتخابية بل رفع من أصوات حزبه، وبالتالي لا يترك أمام خصومه إلا خيار الانشقاق، ليعود الحزب كما كان في فترة ما قبل العدالة والتنمية، حزباً صغيراص يصارع على الحصول على نسبة 10% التي ترشحه لدخور البرلمان.

شارك الموضوع :

اترك رداً