سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

حزب الشعوب الديمقراطي والانتخابات .. أكون أو لا اكون

0

لا يبدو أن الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة تعد بالكثير من مفاجآت العيار الثقيل فيما خص توزيع الأحزاب الكبيرة الممثلة حالياًَ في البرلمان، اللهم إلا حزب الشعوب الديمقراطي ذو الجذور الكردية.

فهذا الحزب الذي ضم إليه مختلف التوجهات الكردية اليسارية ويعتبر الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني وينادي بمشروعه السياسي (حكم ذاتي ديمقراطي، رئاسة ثانية/مشتركة من الجنسين، حكم محلي قوي) سيدخل المنافسة الانتخابية لأول مرة بقائمة حزبية بعد أن كان نوابه يشاركون كأفراد مستقلين ثم يشكلون كتلتهم البرلمانية بعد انتهاء المنافسة الانتخابية.

والسبب في هذا التوجه السابق للأحزاب الكردية هو قانون الانتخابات التركي الذي يمنع الأحزاب التي لا تتخطى حاجز %10 من الأصوات من دخول البرلمان وتوزع أصواتها ومقاعد نوابها على الأحزاب الناجحة حسب نسبة أصواتها. وهذه هي المادة التي ستحدد مصيره وتركيبة المجلس القادم مرة أخرى.

عاملان شجعا الحزب هذه المرة على هذه الخطوة، الأول هو الزخم الذي حازه الحزب مع عملية “التسوية” كحل سياسي بين حزب العمال الكردستاني والحكومة/الدولة التركية والتي ساهمت في تحسين صورة الحزب، والثاني كان ترشح رئيسه (أحد رئيسيه) صلاح الدين دميرطاش للانتخابات الرئاسية وحصوله على حوالي %9 من الأصوات. كما أن هناك عوامل أخرى أقل تأثيراً، في مقدمتها تململ بعض الأصوات اليسارية في حزب الشعب الجمهوري – أقوى أحزاب المعارضة – والتي يعتقد أن بعضها على الأقل سيذهب للشعوب الديمقراطي.

وهكذا، سيكون الحزب – الممثل الآن بـ 29 نائباً في البرلمان – أمام امتحان صعب في المعركة الانتخابية القادمة، وعليه فهو يجري حساباته الدقيقة والحساسة بناء على ذلك. فمعظم استطلاعات الرأي تتوقع له 8 – 9.5% من الأصوات، وهو ما يعني أنه بحاجة لجهد كبير لتخطي حاجز العشرة في المئة، وإلا فإنه سيفشل في ذلك.

أما إذا صدقت بعض الاستطلاعات التي أعطته أكثر من %10 بقليل، أو نجح حتى وقت الانتخابات في تحصيل ذلك، فسيكون قادراً على إدخال 55 نائباً – في الحد الأدنى – لمجلس الشعب وهو عدد كبير يجعله مؤثراً في مسار الحياة السياسية التركية مستقبلاً بشكل أكبر، سيما وأنه لا يخفي معارضته لإقرار النظام الرئاسي الذي يسعى له الحزب الحاكم، بينما يطالب بصياغة دسدتور جديد يتضمن الاعتراف الكامل والواضح بحقوق الأكراد ويعيد تعريف المواطنة.

أما إذا لم يستطع الحزب تخطي الحاجز الانتخابي فستوزع أصواته على الأحزاب الأخرى، وسيكون نصيب الأسد منها للعدالة والتنمية، والذي ستزداد – ولو نظرياً – فرصته ببلوغ نسبة الثلثين لإقرار الدستور الجديد (بما في ذلك النظام الرئاسي) عبر البرلمان، أو على الأقل سيحظى بأغلبية مريحة تتيح له عرض الدستور على استفتاء شعبي يبدو واثقاً في تخطي امتحانه.

هذا التفصيل تحديداً يفسر التوتر والتراشقات الإعلامية التي نسجت مؤخراً العلاقة بين العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطي رغم اتفاقهما الأخير على عملية التسوية للقضية الكردية، فمن ناحية لا يريد كل منهما أن يظهر أمام جمهوره أنه تنازل أمام الآخر، ومن ناحية أخرى يعمل الطرفان بجد على حاجز الـ 10% الذي سيكون له بالغ الأثر على تركيبة المجلس القادم. وهذا ربما ما دفع بالحزب المعارض إلى التقارب أكثر مع حزب الشعب الجمهوري (أحد خصومه التقليديين)، بل ومع جماعة كولن التي كان أحد أهم أسباب خلافها مع العدالة والتنمية هو الملف الكردي. بينما يهدد الحزب – ولو بشكل مبطن – بالطعن في نزاهة الانتخابات واللجوء للشارع في حال فشل في دخول البرلمان.

هكذا يبدو أن حزب الشعوب الديمقراطي سيكون فرس الرهان في الانتخابات البرلمانية بعد شهر تقريباً من الآن، وبسبب دخوله كقائمة حزبية وليس كأفراد للمرة الأولى فإن مادة الحاجز الانتخابي تجعل من المنافسة الانتخابية مسألة حياة سياسية أو موت بالنسبة له في الفترة القادمة، وبالتالي فحساباته هي “أكون أو لا أكون” ممثلاً في المجلس القادم.

شارك الموضوع :

اترك رداً