سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل تتخلى السعودية عن السيسي؟

0

أشعل موقف النظام المصري في مجلس الأمن قبل أيام وما تلاه من تطورات نقاشات مطولة حول موقف المملكة العربية السعودية منه. فقد صوت ممثل مصر في الأمم المتحدة لصالح مشروع القرار الروسي بخصوص سوريا (كما صوت بشكل غير مفهوم لصالح مشروع القرار الفرنسي المناقض له أيضاً) وهو المشروع الذي وقفت ضده معظم الدول العربية لعدم تلبيته الحد الأدنى المقبول، واحتجاجاً على الإجراءات الروسية في مجمل الملف السوري سيما قصف حلب الوحشي المستمر منذ أسابيع.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سادت الإعلامَ المصري موجة من الهجوم على الرياض، شبيهة في المستوى ومتعارضة في الاتجاه مع الموجة السابقة المادحة لها، حاولت أن تقدم كل هذه التطورات في سياق دعم “القرار المصري المستقل”.أضيفت هذه المواقف لسلسلة من التصريحات والمواقف والقرارات الصادرة عن نظام السيسي مؤخراً تصب في غير ما تريد الرياض بخصوص قضايا المنطقة سيما سوريا، وآخرها تصريح وزير الخارجية سامح شكري عن “اختلاف رؤية القاهرة عن رؤية الرياض” بخصوص مصير نظام الأسد، الذي جاء ليتوج عدة مواقف فسِّرتعلى أنها اقتراب مصري من المحور الروسي  – الإيراني وابتعاد عن الموقف السعودي – الخليجي.

بنتيجة كل ذلك، يبدو أن العلاقات المصرية – السعودية تمر بامتحان صعب، عبرت عنه عدة تصريحات و”تغريدات” لشخصيات سعودية “تعتب” على الخيار المصري في الأمم المتحدة في مقدمتهمرئيس الديوان الملكي السعودي السابق خالد التويجري. لاحقاً غادر السفير السعودي القاهرة قافلاً إلى بلاده بنية العودة بعد ثلاثة أيام وفق المعلن رسمياً، كما أوردت رويترز نقلاً عن مسؤول مصري خبر إبلاغ شركة “أرامكو” الحكومية السعودية للطاقة الهيئة العامة للبترول المصرية شفهياً في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول بتوقفها عن إمدادها بالمواد النفطية.

وهنا يثور أو يثار السؤال الأهم: هل وصلت الرياض لقناعة بأن السيسي – أو نظامه – بات عبئاً عليها يجب التخلص منه؟

الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ليست بالسهولة المتوقعة لأول وهلة، كما أن سؤالاً آخر يجب أن يسبقه في التحليل والإجابة والفهم، وهو لماذا كل هذه الأهمية المولاة للموقف السعودي تحديداً من السيسي؟. ثمة أربعة سياقات توضح أهمية ذلك:

أولاً، أن مسوغات قبول السيسي ونظامه كانت منذ البدء خارجية في أصلها مع دعم داخلي بقدر معين، وهي الآن خارجية بامتياز بعد انحسار التأييد الشعبي له بشكل كبير مع تطاول الزمن واتضاح الكثير مما كان مستوراً وتفاقم الأزمات المختلفة سيما الاقتصادية.

ثانياً، أن السعودية ليست دولة عادية في المنطقة، بل لها دور ريادي في منظومة العمل العربي (والخليجي بداهة) والإسلامي المشترك، ولها كلمة نافذة في المنظمات الإقليمية ذات الصلة مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

ثالثاً، أن الرياض كانت – وما زالت –  الداعم السياسي الأكبر في العالم العربي للانقلاب في مصر منذ اللحظة الأولى.

رابعاً، أن السعودية هي الممول الاقتصادي الأكبر للسيسي، وتتزايد أهمية هذا العامل بطبيعة الحال إذا ما أضفنا له المنظومة الخليجية التي لا تخرج كثيراً عن قرار الرياض والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها النظام المصري.

وبالعودة للسؤال الرئيس للمقال، فليس ثمة خلاف أو نقاش كبير حول غضب النظام السعودي من سياسات السيسي وتغريده خارج السرب، وإنما السؤال هو إذا ما وصل هذا الغضب لمرحلة حرجة يمكن أن تطرح سيناريوهات ما بعد السيسي في مصر.

بادئ ذي بدء، لا شك أن قراراً بهذه الحساسية بكل نتائجه وانعكاساته وارتداداته المحتملة في كل من مصر والمنطقة لا يخضع حصراً للقرار السعودي رغم أهميته، كما أن قرار الرياض بهذا الخصوص لا بد وأن يضع في حسبانه عدة عوامل كثيرة مؤثرة في مقدمتها مدى القبول الدولي للسيسي وتجاذبات صناعة القرار داخل المملكة واضطرابات علاقاتها الخارجية بما يضع مدى قدرتها على التأثير موضع السؤال. لكن، وأبعد من ذلك، ثمة ثلاثة أمور لا ترغب بها الرياض في مصر:

الأول، حالة الفوضى وعدم الاستقرار، بما يمكن أن يزيد من أعباء سياستها الخارجية والملفات التي تتابعها، بينما هي غير قادرة على تهدئة عدة ملفات متأزمة في مقدمتها سوريا واليمن والعراق.

الثاني، تغيير النظام و/أو الرئيس تحت وطأة موجة ثورية لا يمكن ضمان مساراتها ونتائجها، أنها يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من الارتدادات التي تجعل من السيطرة على المشهد أمراً بالغ الصعوبة.

الثالث، عودة الإسلاميين للحكم أو المشاركة الفعلية في المشهد السياسي، وهو احتمال يبقى قائماً في أي موجة ثورية أو تغيير “غير محسوب” في رأس النظام. ذلك أنه من غير الدقيق القول إن الرياض قد تخلت عن تقييمها لخطر “الإسلام السياسي” المتمثل بجماعة الإخوان وشركائها، وإنما كان جل ما فعلته أن أعادتهم للمرتبة الثانية في قائمة المهددات ليفسحوا المجال فقط لإيران المتمددة في الإقليم على حساب مصالح السعودية وأمنها وعلى حساب معظم دولها، ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن تغييب الإخوان – ضمن الانشغال بالثورة المضادة والصراعات البينية – كان من أسباب التمدد الإيراني الحالي.

محصلة هذه “المحظورات” الثلاثة هو عدم الرغبة بتغيير جذري أو سريع أو غير مسيطر عليه في مصر، سيما وأن السعودية ليست في أفضل حالاتها اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية واستمرار حرب اليمن والتقدم الإيراني في كل من سوريا والعراق والتوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالتالي فالمتاح والمرغوب به فعلياً هو الضغط على السيسي وليس استبداله سريعاً، أولاً لعدم انفلات الأوضاع، وثانياً طمعاً في تغييرمواقفه وسياساته تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والفشل الإداري للدولة، وثالثاً لمحاولة احتوائه خشية انحيازه تماماً للمحور الروسي – الإيراني الذي يمكن أن يقدم له بعض الدعم المالي الذي يحتاجه.

ثمن سيناريو آخر محتمل، وقد يسير بالتوازي مع سيناريو الضغط وليس بالضرورة بديلاً عنه، وهو إضعاف السيسي بالتدرج وعلى مدى طويل لإيصاله إلى لحظة الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018 مفلساً شعبياً وفاقد الفرص في الاستمرار، أي إسقاطه بالنقاط وليس بالضربة القاضية. هذا السيناريو، إضافة إلى تناغمه مع المحددات سالفة الذكر أعلاه، قد يفتح الباب على “مرحلة جديدة” في مصر تجدد شرعية النظام التي يفتقدها السيسي اليوم سياسياً وقانونياً بعد أن أتى بانقلاب عسكري وفاز بانتخابات ضعيفة المشاركة ومشكوك بنزاهتها وبعد أن ارتبط اسمه بالمجازر والإعدامات وأحكام المؤبدات والفشل في الحكم.

وبالتالي فإن أي رئيس قادم في 2018 سيتخلص من كل هذه التركة وما تكتنفه من أعباء وعقبات ومسؤولية سياسية أو قانونية، بما يسمح بالدعوة لـ”فتح صفحة جديدة” مع المعارضة تطلق سراح معظم المعتقلين وتغلق الباب على الفترة الماضية بما فيها من ثورة وانتخابات وانقلاب ومجازر وتعيد “ضبط الإعدادات” من جديد للعبة سياسية محددة السقف(وقد يتضمن السيناريو محاكمة صورية للسيسي إن تطلب الأمر)، في سيناريو شبيه بما فعله السادات بعد عبدالناصر.

في الخلاصة، لم تتغير سياسي السعودية الخارجية ولا مقاربتها لملفات المنطقة ومن ضمنها الملف المصري، كما أن موقفها من النظام – وليس السيسي كشخص – ليس محط تسائل أو اختبار حالياً. أما فيما يتعلق بالسيسي، فإنها لم تصل بعد–برأينا – للحظة رفع الغطاء تماماً عنه لما لهذا الأمر من تبعات هي في غنى عنها حالياً، بينما تبدو التضحية بها على المدى البعيد فرصة يمكن و/أو يجري العمل عليها بشكل هادئ ومدروس ومتدرج

شارك الموضوع :

اترك رداً