سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

تركيا والسعودية وإيران، ومنظمة التعاون

0

اختتم في اسطنبول مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالثة عشر بحضور قيادات 56 دولة مسلمة (لغياب سوريا/النظام السوري عنها)، وتلا الرئيس التركي ربج طيب اردوغان “إعلان اسطنبول”، بينما ذكر الأمين العام للمنظمة إياد مدني أن البيان الختامي لمؤتمر القمة تضمن أكثر من 200 بند.

ثمة الكثير من التفاصيل التي لفتت الأنظار خلال القمة ويمكن أن تكون مثار بحث وتحليل، بيد أن العناوين العريضة لمخرجاتها لا تكاد تخرج عن أربعة:

الأول، غياب الإنجازات والاختراقات في الملفات الكبيرة، المزمنة المستعصية منها مثل القضية الفلسطينية أو المستحدثة اللاهبة منها مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن. والحقيقة أنه لم يكن ثمة توقع بإنجازات مشابهة قبل القمة، لأسباب تتعلق ببيروقراطية عمل المنظمة وتكلسها على مدى عشرات السنين، فضلاً عن الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء.

الثاني، تفاؤل مشوب بالحذر من رئاسة تركيا الدورية للقمة/المنظمة، بما تملكه من خبرة سياسية وموقع استراتيجي وتجربة رائدة على مستوى منظمات المجتمع المدني وإرادة بخصوص ريادة العمل الإسلامي بشكل عام والإقليمي بشكل خاص. سيما وأن رئاستها الدورية للمنظمة تأتي في ظل تعاون بمستوى جيد ومتطور بينها وبين المملكة العربية السعودية، مستضيفة مقر المنظمة وصاحبة التمويل والنفوذ الكبيرين عليها، فضلاً عن كون الأمين العام سعودياً.

الثالث، الثنائي التركي – السعودي الذي اتضحت معالمه في مؤتمر القمة، وكأننا كنا أمام تنظيم تركي – سعودي ثنائي لا تركي فقط له، بدءاً من تغطية زيارة الملك سلمان لتركيا على أخبار القمة الأخرى والاحتفاء الواضح به هناك، مروراً بالكلمة التي أعطيت له كاستثناء بروتوكولي في افتتاح القمة (إذ السعودية ليست الرئيس السابق ولا الحالي)، وليس انتهاءً بمخرجات القمة التي حملت البصمة السعودية حتى في أدق التفاصيل.

الرابع، إدانة إيران والمجموعات الدائرة في فلكها في البيان الختامي للقمة، في ثلاثة مواد على الأقل، وهي إدانة الهجوم على الممثليات الدبلوماسية السعودية في إيران، ودعوة الأخيرة إلى علاقات حسن الجوار واحترام سيادة الدول، وإدانة تدخلها في شؤون بعض الدول العربية. وهي نتيجة لها دلالتها الواضحة، المتعلقة بفشل إيران وحلفائها في منع ورود البيان الختامي بهذه الطريقة (فضلاً عن تفاصيل أخرى كثيرة) واصطفاف معظم الدول خلف الرياض في مواجهتها الدبلوماسية مع طهران، بغض النظر عن تشوش وسائل الإعلام العربية والتركية بين صيغتي الإدانة والأسف.

إذن، وباختصار شديد، فقد كرس مؤتمر القمة حالة الاصطفاف في المنطقة بحيث تقف إيران ومحورها في مواجهة عدد كبير من الدول العربية والإسلامية النافذة بقيادة السعودية، التي تبدو اليوم في ريادة العمل العربي والإسلامي المشترك في ظل غياب وتراجع الدول الرائدة تقليدياً مثل مصر والعراق. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك ذا فائدة؟

لا شك أن الرسالة السياسية من المؤتمر قوية وقد وصلت طهران، لكن ذلك قد لا يكفي ليردع طهران عن سياساتها الإقليمية إلا إن تحلت قيادتها بحكمة عميقة وقرار سديد لم نرها تتحلى بهما على مدى السنوات القليلة الماضية.

إن إيران تدرك ولا شك أن المنظمة إطار بيروقراطي فاقد للتأثير، وبالتالي لن تخرج مقرراتها عن إطار المواقف السياسية والرسائل الدبلوماسية، ولذلك فقد لا تكترث كثيراً بما حصل، سيما وأن ذلك لا يعني بالضرورة عزلتها الدائمة أو طويلة الأمد، بدليل لقاء روحاني برئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ثم الرئاسة المشتركة له مع الرئيس اردوغان للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، الذي تمخضت عنه بعض الاتفاقيات الاقتصادية على هامش رفع العقوبات عليها وانتهاء فترة الحظر عنها وهو ما يعتبر فرصة للطرفين.

لكننا يمكن أن نضيف سياقين آخرين لمحاولات الضغط الإقليمية – الإسلامية على إيران:

الأول، التحالفات المتشكلة أخيراً في المنطقة بقيادة السعودية مرة أخرى، ومنها التحالف الإسلامي الذي لم يضم بين جنبيه إيران أو العراق في رسالة واضحة حول رؤيته وأهدافه.

الثاني، المقاربة التركية بمحاولة احتواء إيران، أولاً اقتصادياً بعلاقات مميزة ومتنامية معها، وثانياً استراتيجياً من خلال التركيز على خطر التدخل الخارجي (الروسي تحديداً) على دول المنطقة ومنها تركيا وإيران.

بيد أنه حتى تؤتي هذه التحركات كلها أكلها، لا بد مما هو أكثر من المواقف السياسية التقليدية والتصريحات الإعلامية الحادة، بمعنى رؤية إيران لنتائج سلبية لسياساتها الإقليمية (ولا أتحدث هنا عن المواجهة العسكرية المباشرة بالضرورة)، مع فتح الباب لعودة العلاقات لسياقها السابق في حال كان هناك تصويب للبوصلة الإيرانية، فضلاً عن إعادة جميع الأطراف تقييم مواقفها وأدائها لتصويب الأخطاء التي اقترفتها في مجمل المواقف والسياسات على مدى السنوات الست الماضية فيما يتعلق بالثورات العربية وقواها وشعوبها ودولها.

ما دون ذلك، وحتى ذلك الوقت، أخشى أن نتائج كل التحالفات والمؤتمرات والاجتماعات والاتفاقات والشراكات قد يندرج تحت القول العربي الشهير “أوسعته شتماً، وفاز بالإبل”.!!

شارك الموضوع :

اترك رداً