سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

ماذا تخبرنا تشكيلة الحكومة الجديدة في تركيا؟

0

 

ماذا تخبرنا تشكيلة الحكومة الجديدة في تركيا؟

عربي 21

بعد أدائه للقسم الدستوري رئيساً معلناً بدء سريان النظام الرئاسي في تركيا بشكل قانوني ورسمي، أعلن اردوغان عن تشكيلة حكومته الجديدة والمنتظرة، والتي تضمنت بعض الإشارات المهمة حول آلية عمل النظام الجديد ومتغيراته.

ضمت التشكيلة نائباً واحداً للرئيس و16 وزيراً بينهم سيدتان ويبلغ متوسط أعمارهم 49 عاماً، حيث كانت أصغرهم سناً وزير العمل والخدمات الاجتماعية والعائلة زهرة زمرد سلجوق (39 عاماً) وأكبرهم سناً وزير الدفاع – رئيس الأركان السابق – خلوصي أكار (66 عاماً).

ويمكن رصد الملحوظات الرئيسة التالية حول تشكيلة الحكومة:

أولاً، اكتفى اردوغان في الوقت الحالي بنائب واحد للرئيس، وهو الإداري الأسبق في الخطوط الجوية التركية والرئيس السابق لرئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) فؤاد أوكتاي، الذي يشغل منذ حزيران/يونيو 2016 منصب مستشار (معاون) رئاسة الوزراء فؤاد أوكتاي، وهو منصب يعنى بتنسيق العمل بين مختلف الوزارات والمؤسسات. وباختيار أوكتاي، البعيد عن السياسة اليومية والتجاذبات الحزبية، يتضح أن دوره كنائب للرئيس سيشابه دوره السابق في رئاسة الوزراء من خلال متابعة عمل المؤسسات الأخرى وضمان التنسيق بينها.

ثانياً، أغلب الوزراء إما تكنوقراط من داخل بنية الوزارات أو من القطاع الخاص، وبالتالي غير سياسيين وغير حزبيين، كما ألمح إلى ذلك اردوغان مسبقاً عدة مرات. ويبدو أن أربعة فقط من وزراء الحكومة من قيادات العدالة والتنمية – هم الذين حافظوا على تواجدهم في الحكومة – وهو ما يدعم رؤية اردوغان التي تترك لمؤسسة الرئاسة رسم السياسات وللوزارات تنفيذها.

ثالثاً، احتفظ أربعة وزراء فقط بمناصبهم الوزارية من بين  أعضاء الحكومة السابقة، وهم وزراء الداخلية سليمان  صويلو والخارجية مولود تشاووش أوغلو والعدل عبدالحميد غل، إضافة لبراءة ألبيراق وزير الطاقة السابق الذي عين وزيراً للخزينة والمالية التي هي عملياً نتيجة دمج الوزارتين معاً.

ويبدو أن الأمر متعلق بتقييم إيجابي لأدائهم في الحكومة السابقة، فقد حقق صويلو نجاحات واضحة في الملف الأمني ومكافحة العمليات الإرهابية التي انعدمت أو تكاد في البلاد، كما وصل تشاووش أوغلو إلى نتائج إيجابية وتوافقات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والأطراف الأخرى مؤخراً، مثلاً.

رابعاً، سيكون على هؤلاء النواب الأربعة الاستقالة من البرلمان وفق التعديل الدستوري الذي يحظر الجمع بين عضوية البرلمان والحقيبة الوزارية، دون أن يتمكن الحزب من تعويض مقاعدهم التي ستبقى شاغرة (إلا إذا حصل توافق مع المعارضة على انتخابات جزئية لدوائرهم، وهو أمر مستبعد جداً). وبالتالي، ستتراجع حصة العدالة والتنمية في البرلمان من 295 إلى 291 وتحالف الشعب من 344 إلى 340 نائباً من أصل 600 نائب، وهو تراجع محسوب لا يؤثر في فرص العدالة والتنمية في عملية انتخاب رئيس البرلمان (سيكون رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم) ورؤساء اللجان البرلمانية وأعضائها.

خامساً، غابت الأسماء المعروفة في الملفات الاقتصادية مثل شيمشك وأغبال ومن قبلهما علي باباجان الذي سرت إشاعات حول عودته للحكومة. بينما يبدو أن إدارة الملفات الاقتصادية ستسلم لوزير الطاقة السابق وصهر الرئيس براءة ألبيراق، إضافة لوزير الطاقة – مستشار الوزارة السابق – فاتح دونماز ووزير التجارة روهصار بيكجان.

وهو تفصيل قد لا يكون مريحاً للمؤسسات الدولية وبعض الدول التي اعتادت على الأسماء سالفة الذكر ووثقت بها لسنوات باعتبارها من ضمانات الاقتصاد التركي، فضلاً عن مؤشرات اختيار شخص مقرب من اردوغان فيما يخص سياساته المالية والعلاقة مع المصرف المركزي وغيرها من الملفات. ويبدو أن ذلك كان من أسباب تراجع الليرة سريعاً أمام العملات الأجنبية بعيد إعلان التشكيلة الحكومية، وليس واضحاً بعد إذا ما كان الأمر مجرد تذبذب مؤقت أم أثراً طويلَ الأمد.

سادساً، اختار اردوغان لوزارة الدفاع رئيس الأركان السابق خلوصي أكار، الذي قدّر كثيرون إقالته أو استقالته بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016 قبل أن يبقى في منصبه والذي كان يفترض أن يتقاعد في 2019. وعليه، سيكون على اردوغان وفق النظام الجديد أن يعين رئيساً جديداً لأركان الجيش قريباً.

 

في المحصلة، تظهر التشكيلة الحكومية فروقاً واضحة عن حكومات العدالة والتنمية منذ 2002 سببها الرئيس النظام الرئاسي واستحقاقاته. فغابت معظم الأسماء الحزبية والقيادات الحكومية المعروفة لصالح البيروقراطيين ورجال القطاع الخاص.

بيد أن الصورة لن تكتمل قبل الإعلان عن تفاصيل وقيادات المكاتب واللجان والهيئات التي سيشكلها اردوغان لتعينه في إدارة مختلف الملفات، والتي يمكن أن تضم بعض الأسماء الكبيرة التي بقيت خارج التشكيلة الحكومية. لا سيما وأن بعض هذه المكاتب واللجان قد تختص برسم السياسات التي يفترض أن تنفذها الحكومة، الأمر الذي يجعل التقييم الحالي للتشكيلة الحكومية تقييماً أولياً ومجتزأً من الصعب تعميمه على واقع السلطة التنفيذية وأدائها ككل، الأمر الذي سيتضح قريباً مع الإعلان عن خريطة المكاتب واللجان ومسؤوليها.

شارك الموضوع :

اترك رداً