سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الصوت الكردي في الانتخابات التركية: الدلالات والرسائل

0

 

الصوت الكردي في الانتخابات التركية: الدلالات والرسائل

 

TRT  العربية

على عكس بعض الانطباعات السائدة أو البروباغاندا المنتشرة، لا يمكن الحديث عن طيف كردي واحد أو صوت كردي موحد في الانتخابات التركية عموماً وفي الجولة الأخيرة على وجه الخصوص. فمثل نظرائهم الأتراك – والعرقيات الأخرى – ينتظم الأكراد في عدة تيارات ويعطون أصواتهم لأحزاب مختلفة.

يأتي في مقدمة هؤلاء، على عكس الرائج، العدالة والتنمية قبل الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) ويتبعهما – دون ترتيب – أحزاب مثل الدعوة الحرة (الإسلامي الكردي) والسعادة (الإسلامي) والشعب الجمهوري (الكمالي) وغيرهم من الأحزاب.

ورغم كل ما سبق يبقى للصوت الكردي في الانتخابات أهمية استثنائية لسببين رئيسين:

الأول، خصوصية الملف الكردي تاريخياً في تركيا، من الإنكار والمظلومية مروراً بالعمل المسلح والحركة الانفصالية ووصولاً إلى الإصلاحات التدريجية التي قام بها العدالة والتنمية وشملت المشاريع التنموية والإصلاحات القانونية والعملية السياسية والتفاوض غير المباشر.

الثاني، تأثير أصوات مناطق الغالبية الكردية في محافظات شرق البلاد وجنوبها الشرقي في المنافسات الانتخابية الأخيرة، وفي مقدمتها الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي العام الفائت والذي كان الصوت الكردي فيه داعماً له وحاسماً لصالحه.

بالعودة إلى لغة الأرقام، الأقرب إلى دقة التقييم، حل اردوغان أولاً في منطقتي الغالبية الكردية، الشرق والجنوب الشرقي، وبفارق كبير عن أقرب منافسيه دميرطاش، وبواقع %52 مقابل %29 في الشرق و%49 مقابل %35.9 في الجنوب الشرقي. وبالمقارنة مع انتخابات 2014 الرئاسية التي شارك بها الاثنان نجد أن نسبة اردوغان تراجعت بحوالي %1 مقابل تراجع دميرطاش بنسبة %2.8 أي حوالي 3 أضعاف.

في الانتخابات البرلمانية، ما زال حزب الدعوة الحرة فتياً وحديثاً حيث لم يحصل إلا على 155 ألفاً و539 صوتاً من حوالي 51 مليون صوت وبنسبة %0.31 في عموم تركيا، في حين لم يقدم مرشحاً رئاسياً وأعلن دعمه لاردوغان. ولربما كان سبب هذا الحضور الضعيف للحزب هو توجه معظم أصوات الإسلاميين والمحافظين الأكراد للعدالة والتنمية، الذي حاز المركز الأول في كل المناطق الإدارية السبعة ومن ضمنها منطقتي الشرق والجنوب الشرقي.

ولعل الملحوظة الأهم، والتي وردت في تقرير التقييم الداخلي الخاص بحزب العدالة والتنمية، أن نسبة التصويت للأخير تراجعت في 71 محافظة مقارنة بانتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في مقابل تقدمها في 10 محافظات فقط، 9 منها من المحافظات ذات الأغلبية الكردية.

في محافظات الشرق تقدم العدالة والتنمية بنسبة %42.3 مقابل %32.3 للشعوب الديمقراطي، وفي محافظات الجنوب الشرقي تقدم الأول بنسبة %39.9 مقابل %38.6 للثاني. وبينما حافظ الشعوب الديمقراطي على نفس عدد نوابه تقريباً، بفضل النظام النسبي والعتبة الانتخابية، إلا أن نسبة التصويت له تراجعت بشكل واضح في معظم تلك المحافظات في مقابل ارتفاع نسبة التصويت له في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير.

يمكن اختصار هذه الأرقام وتركيزها في 3 دلالات رئيسية، هي:

أولاً، اردوغان والعدالة والتنمية صاحبا المركز الأول في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على التوالي في مناطق الأغلبية الكردية.

ثانياً، تراجع نسبة التصويت لدميرطاش وحزب الشعوب الديمقراطي في نفس تلك المناطق، مقابل ارتفاع نسبة التصويت للعدالة والتنمية فيهما.

ثالثاً، تخطى الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية ودخل البرلمان بأصوات موجهة من الشعب الجمهوري لضمان دخوله البرلمان وحرمان العدالة والتنمية من الاستفادة من فشله في ذلك، كما تظهر النتائج التفصيلية لكل محافظة على حدة.

وبقراءة هادئة لهذه النتائج ودلالاتها، يمكن القول إن تصويت الناخب الكردي في هذه الانتخابات قد تضمن رسالتين رئيستين وباتجاهين مختلفين:

الأولى، نحو الشعوب الديمقراطي، برفض قربه من تنظيم العمال الكركستاني (بي كا كا) الإرهابي ونهج إعلان الإدارات الذاتية وحرب المدن، والضغط باتجاه التزامه بالخط السياسي الدستوري.

الثانية، باتجاه اردوغان والعدالة والتنمية بتجديد الثقة بهما لإعادة تفعيل مسار الإصلاحات الداخلية الخاصة بالأكراد تحديداً. وتزداد أهمية هذه الرسالة حين تأتي في ظل تحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية أحد الخصوم التقليديين للحركات الكردية في تركيا وغياب أي حديث عن عملية تسوية أو مسار سياسي بخصوصهم في البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية إلا في سياق الحديث عن المواطنة المتساوية بشكل عام ودون تخصيص.

في خطاب النصر بعد نجاح الاستتفاء على التعديل الدستوري قال اردوغان إنه اهتم بشكل خاص بتصويت محافظات الشرق والجنوب الشرقي، التي قيل إنها هي من أنجحت الاستفتاء. فكيف سيكون تقييمه لتصويتها في هذه الانتخابات وكيف سيتجاوب معه؟ لا تبدو الإجابة واضحة في الوقت الحالي، لكن تشكيلة الحكومة التي ستعلن خلال أيام ثم نتائج المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية في آب/أغسطس المقبل قد تحملان إشارات على إجابة هذا السؤال.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً