سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

قراءة في نتائج الانتخابات التركية

0

 

قراءة في نتائج الانتخابات التركية

 

إضاءات

اختتمت تركيا أمس يوماً حافلاً، شهد اقتراع أكثر من 51 مليون ناخب لانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان الـ 600، بعد حملة انتخابات ساخنة عكست أهمية الانتخابات وحساسيتها وما يمكن أن ينبني عليها.

 

الأرقام

وفق النتائج الأولية بعد فرز أكثر من %99 من الأصوات، وبانتظار إعلان اللجنة العليا للانتخابات للنتيجة الرسمية النهائية بعد البت بالطعون والشكاوى (بعد أيام)، فاز اردوغان بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى بعدما كسب %52.5 أي الأغلبية المطلقة من الأصوات وفق ما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي جوفان ليلاً.

حل في المركز الثاني مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إينجة بنسبة %30.7، ثم  مرشح الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش بنسبة %8.4، ثم مرشح الحزب الجيد ميرال أكشنار بنسبة %7.3، بينما تحصّل كل من المرشحين الآخرَيْن على نسبة أقل من %1.

في الانتخابات البرلمانية، حل حزب العدالة والتنمية في المركز الأول بنسبة %42.2 ما يعادل 290 مقعداً برلمانياً، ثم الشعب الجمهوري بنسبة %22.7 و146 مقعداً، ثم الشعوب الديمقراطي بنسبة %11.5 و68 مقعداً، ثم الحركة القومية بنسبة %11.2 و49 مقعداً، ثم الحزب الجيد بنسبة %10.1 و47 مقعداً.

في المحصلة،  حصل تحالف الجمهور أو الشعب المكوّن من العدالة والتنمية والحركة القومية على أغلبية البرلمان بنسبة %53.48 و339 مقعداً برلمانياً، في مقابل نسبة %34.29 و193 مقعداً برلمانياً لتحالف الأمة المعارض.

وفي حين حافظت قلعة الشعب الجمهوري إزمير على تقدم إينجة بنسبة %54، وقلعة الشعوب الديمقراطي ديابكر على تقدم دميرطاش بنسبة %64، بدا وكأن إسطنبول وأنقرة قد تصالحتا مع اردوغان بعد نتيجة الاستفتاء العام الفائت، ففاز فيهما بنسبتي %50 و%51.5 على التوالي، في مقابل نسبه الأعلى في مدن وسط الأناضول والبحر الأسود.

 

الدلالات والانعكاسات

كثيرة هي الدلالات التي يمكن استنباطها من النتائج الأولية للانتخابات، لكن أهمها على الإطلاق هو طي تركيا صفحة النقاش والجدل حول النظام الرئاسي والبرلماني، وحسم أمرها باختيار النظام الرئاسي بعد التقدم الواضح لتحالف الشعب وانعدام فرص الاستدراك أمام تحالف الأمة، وهو ما يعني ولوج مرحلة جديدة كلياً.

الفائز الأكبر في الانتخابات كان ولا شك الرئيس التركي اردوغان، الذي لم يكتف بالفوز في الانتخابات الـ 13 على التوالي منذ 2002 بين رئاسية وبرلمانية ومحلية واستفتاء شعبي، وإنما حسم الانتخابات في جولتها الأولى، رغم حساسيتها وشدة منافستها وعدد المرشحين الكبير (6)، وبرفع نسبة التصويت له إلى %52.5، ليكون أول رئيس تركي منتخب وفق النظام الرئاسي. ولعل اللافت هو فوز اردوغان بهذه النسبة في نفس الانتخابات التي تراجع فيها حزبه 7 درجات كاملة عن آخر انتخابات نيابية، وبفارق أكثر من 5 ملايين صوت عن حزبه.

محرّم إينجة، ورغم خسارته أمام اردوغان، إلا أنه أدى بشكل جيد خلال الحملة الانتخابية وحصل على %30.6 من الأصوات، في مقابل %22.7 لحزبه الشعب الجمهوري الذي لم يتخط في السنوات الأخيرة حاجز %25 في أي انتخابات. وهو ما يجعل رئيسه كمال كليتشدار أوغلو أحدَ أكبر الخاسرين في الانتخابات – بعد حزب السعادة – حيث سيعود إينجة للحزب بهذه النتيجة أقوى، الأمر الذي هزَّ كرسي كليتشدار أوغلو في رئاسة الحزب معنوياً وإن كان ذلك أمراً صعباً عملياً بسبب سيطرته على مندوبي الحزب الذين ينتخبونه وإبعاده إينجة عن البرلمان من خلال ترشيحه فضلاً عن خسارة الأخير في المحصلة.

الظاهرة الأبرز في الانتخابات هي تراجع أحزاب الوسط أو الأحزاب الجماهيرية لصالح أحزاب الأطراف ذات الصبغة القومية. حيث تراجع الشعب الجمهوري من %25.3 إلى 22.7 والعدالة والتنمية من %49.5 إلى 42.2، في مقابل بقاء الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) في البرلمان، ورفع الحركة القومية (القومي التركي) عدد نوابه إضافة لنواب الحزب الجيد المنشق عنه (بنفس الأيديولوجيا)، وهو ما يعني مضاعفة عدد نواب التيار القومي التركي وزيادة عدد نواب التيار القومي الكردي.

من ضمن ما تعنيه هذه النتائج أن الحركة القومية سيفرض نفسه على حليفه العدالة والتنمية بشكل أقوى في المستقبل باعتبار حاجة الأخير له في سن التشريعات في البرلمان وبالتالي يمكن توقع تولي أعضاء منه حقائب وزارية ومناصب مختلفة قد يكون منها أحد نواب الرئيس، في حين أن الشعوب الديمقراطي أعاد تأكيد أنه رقم صعب لدى الطيف الكردي الذي يصوّت للهوية والقومية قبل أي شيء آخر ما قد يعيد طرح السؤال الكردي على صانع القرار في أنقرة ولو على المدى البعيد.

ومن دلالات نتائج الانتخابات تنقل الناخبين أفقياً بين الأحزاب وتصويتهم بشكل مختلف في الرئاسية والبرلمانية. يبدو ذلك واضحاً من الفارق – مثلاً – بين عدد المصوتين لكل من اردوغان وإينجة وحزبيهما على التوالي، كما يظهر من مقارنة نسب الأحزاب والمرشحين. حيث يظهر بشكل جلي أن جزءاً من الأكراد قد صوت لمحرم إينجة، بينما صوت جزء من أنصار الشعب الجمهوري لصالح الشعوب الديمقراطي. ويبدو أن العدالة والتنمية قد خسر من أصواته لصالح كل من الحركة القومية والحزب الجيد، الذي سحب أيضاً من رصيد حزبه الأم الحركة القومية وقليلاً من الشعب الجمهوري.

والدلالة الأخيرة في هذا السياق هي الخريطة المتغيرة بشكل جذري للبرلمان المقبل عن الحالية، حيث سيتكون بشكل أساسي من 5 أحزاب كبيرة، في انتظار حسم عدد مرشحي الأحزاب الصغيرة التي دخلت التحالفات ضمنياً وليس رسمياً وهي السعادة (يبدو أنه خرج خالي الوفاض) والديمقراطي والاتحاد الكبير.

 

خارطة الطريق

تفرض هذه النتائج خارطة طريق واضحة لتركيا بعد هذه الانتخابات التي وصفت بالحاسمة والتاريخية.

أولاً، ثمة خطوات استكمالية للعملية الانتخابية مرتبطة بعمل اللجنة العليا للانتخابات التي يفترض أن تبت في الطعون والشكاوى المقدمة لها من الأحزاب السياسية والمرشحين الرئاسيين على مستويات ثلاثة: فروع اللجنة في أحياء المدن، فروعها في المحافظات، واللجنة العليا نفسها، ثم إعلانها النتيجة الرسمية والنهائية بعد أيام والمتوقع ألا تختلف كثيراً عن الأرقام الأولية التي بين أيدينا، علماً أن قراراتها نافذة ولا يمكن الطعن عليها.

ثانياً، هناك الخطوات والإجراءات المتعلقة بنتائج الانتخابات واستحقاقاتها وخصوصاً النظام الرئاسي المطبق حديثاً. تنفيذياً، هناك تشكيل الحكومة وإعلان نائب/نواب الرئيس ومستشاريه وخريطة المؤسسات والهيئات التي ستعمل معه وفق التصور الذي أعلن عنه اردوغان قبل أيام. وتشريعياً، هناك انتخابات رئيس البرلمان ومساعديه ولجانه، إضافة لقوانين الموائمة الانتقالية من النظام البرلماني والرئاسي والتي لم يسعف الوقتُ البرلمانَ السابق لإصدارها.

وفي ظل هذا الحراك، وفي ظل خريطة البرلمان الجديد، قد تحصل بعض الانزياحات وإعادة التموضع في التحالفات القائمة، خصوصاً في جبهة الحزب الجيد الذي حصل على عدد مريح من المقاعد تجعله متحرراً من ضغوط الشعب الجمهوري وتحالف الأمة، وهو أمر قد يفتح باب التعاون ولو لاحقاً مع العدالة والتنمية والحركة القومية.

بعد ذلك، ثمة قطاعات وملفات ستـُولَى أهمية وأولوية لدى اردوغان والحكومة الجديدة، في مقدمتها الاقتصاد الذي اهتز مؤخراً ويفترض أن يستفيد من استقرار المشهد ووضوحه بعد نتيجة الانتخابات من  جهة ومن الإجراءات التنفيذية والتي من ضمنها دمج وتقليص عدد الوزارات المرتبطة بالملف الاقتصادي بهدف التنسيق من جهة أخرى.

الملف الثاني هو السياسة الخارجية التي ستتحرر من احتمالات ورغبات التغيير في هذه الانتخابات التي سادت في بعض العواصم، ما سيدفع باتجاه الاستمرار والمبادرة في سياسة أنقرة الخارجية، والتعامل الندي والإيجابي من قبل الأطراف الأخرى بعد الانتخابات التي ستنتج عهداً مستقراً لمدة 5 سنوات.

والمجال الثالث هو مكافحة “الإرهاب” واستمرار أنقرة في العمليات التي تقوم بها داخلياً في مواجهة التنظيم الموازي وداعش والعمال الكردستاني، وخارجياً في كل من سوريا والعراق وخصوصاً العمليات الأخيرة التي بدأت في معقل الكردستاني في جبال قنديل.

في المحصلة، دخلت تركيا يوم أمس، الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2018، عهداً جديداً عنوانه النظام الرئاسي وشعاره الحكومة المستقرة وهدفه تركيا القوية، وهي تجربة جديدة تماماً على تركيا ستجعل ما قبلها مختلفاً تماماً عما قبلها على كل المستويات.

شارك الموضوع :

اترك رداً