سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الانتخابات التركية: الأهمية والتوقعات والانعكاسات

0

 

الانتخابات التركية: الأهمية والتوقعات والانعكاسات

 

الجزيرة نت

يتجه أكثر من 56 مليون ناخب تركي يوم الأحد المقبل إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة ذات الحسابات الهامة والمعقدة، والتي بدأت فصولها الأولى قبل أيام بتصويت أتراك المهجر في الممثليات الدبلوماسية.

 

خريطة المشاركين

تختلف الانتخابات المقبلة عن كافة المنافسات التي خاضها العدالة والتنمية منذ 2002 وتتخطاها أهميةً وحساسية من حيث السياق والانعكسات كما من حيث المشاركين والتوقعات على حد سواء.

فتزامن الانتخابات الرئاسية مع البرلمانية يزيد من أهمية النتيجة ويضيّق هامش المراجعة والاستدراك، كما بدء سريان النظام الرئاسي معها يحمل متغيرات وتأثيرات على تركيا ونظامها السياسي وسياساتها الداخلية والخارجية.

كما أن العدد الكبير من المرشحين الرئاسيين والأحزاب السياسية المشاركة في المعركة الانتخابية تضع الكثير على المحك في حال تغير اسم الرئيس أو – بدرجة أقل أهمية – صاحب الأغلبية البرلمانية، في ظل حالة الاستقطاب القائمة والاختلافات الكبيرة بين المشاركين في الأفكار والبرامج.

ذلك أن المعارضة التركية  تقدم رؤية مختلفة عن اردوغان والحكومة الحالية بخصوص مختلف القضايا، بدءاً من نظام الحكم الذي تريد إعادته برلمانياً ومروراً بالصحة والتعليم وليس انتهاءً بالسياسة الخارجية التي تريدها أكثر تقليدية ومحافظة وأقل انخراطاً في الأزمات.

كما أنها الانتخابات الأولى التي تتشكل فيها تحالفات انتخابية بشكل قانوني ومن خلال قانون الانتخاب، وهو متغير مهم يترك بصمته على الحياة السياسية التركية في المدى المنظور، خصوصاً من جهة خريطة البرلمان المقبل والعلاقة بين مختلف الأحزاب داخل التحالفات وفيما بينها.

يزيد كل ذلك من عدد السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وشكل البرلمان المقبل وبالتالي العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في ظل النظام الرئاسي الذي يقوّي الثانية ولكن لا يلغي محورية الأولى.

يشارك في الانتخابات البرلمانية ثمانية أحزاب تندرج تحت تحالفين كبيرين. حيث يضم تحالف الشعب (أو الجمهور) حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية، ويدعمهما بشكل غير رسمي حزب الاتحاد الكبير الذي سيقدم مرشحيه على قوائم الأول.

بينما يضم تحالف الأمة (أو الشعب) أحزاب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة والجيّد/الصالح والسعادة، ويدعمهم بشكل غير رسمي الحزب الديمقراطي الذي سيقدم مرشحيه على قوائم الأول والثاني. ويبقى خارج التحالفين الكبيرين ثلاثة أحزاب، هي الشعوب الديمقراطي – القومي الكردي – والوطن والدعوة الحرة.

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية ستة مرشحين يتقدمهم الرئيس اردوغان عن حزبه العدالة والتنمية وتحالف الشعب، ومحرّم إينجة مرشح الشعب الجمهوري، وميرال أكشنار مرشح الحزب الجيد، وصلاح الدين دميرطاش مرشح الشعوب الديمقراطي.

عدد المرشحين الرئاسيين الكبير يعكس استراتيجية أحزاب المعارضة المنضوية تحت تحالف الأمة، والذي أتى بعد فشلها في تقديم مرشح توافقي قوي يستطيع مواجهة اردوغان. تقوم استيراتيجية المعارضة على ترشيح أكبر عدد ممكن من المنافسين الذي يمثلون أحزابهم الآتية من مشارب وخلفيات مختلفة وأحياناً متناقضة، بحيث يستطيع كل منهم أن يضمن أصوات أنصاره والقريبين من خلفيتهم الحزبية والفكرية، وبالتالي يسحب من رصيد اردوغان ويقلل من فرص فوزه من الجولة الأولى، لإجباره على جولة إعادة قد تحمل إمكانية توافق المعارضة على دعم المرشح الذي يواجهه، أياً كان.

تعتمد الحملة الانتخابية لاردوغان والعدالة والتنمية على تراكم الإنجازات وضروة استمرارها من جهة والقائد القادر على قيادة تركيا في هذه المرحلة الصعبة من جهة أخرى. بينما تعتمد حملة المعارضة – لا سيما الشعب الجمهوري ومرشحه – على فكرة الأزمات الكثيرة التي تواجه البلاد والتي تحمّل مسؤوليتها للقيادة الحالية وبالتالي تركز على ضرورة التغيير.

 

التوقعات والانعكاسات

لكل ما سبق، سيكون للمعركة الانتخابية المقبلة انعكاسات وارتدادات عدة على تركيا داخلياً وخارجياً وفي عدة سياقات. يرتبط بعض هذه الانعكاسات بنتيجة كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حدة وكليهما معاً، في حين يجحذر بعضها تلقائياً وبغض النظر عن النتائج.

فمن الانعكاسات المباشرة بدء تطبيق النظام الرئاسي وفق المواد المستفتى عليها في نيسان/أبريل 2017، الأمر الذي سيفتح الباب على مرحلة جديدة كلياً في تركيا عنوانها النظام الرئاسي. ويتميز هذا النظام بسرعة آلية اتخاذ القرارات وتنفيذها والحكومات القوية المستقرة والفصل بين الحكومة والبرلمان وسير مختلف مؤسسات الدولة وفق رؤية الرئيس، وهو ما سيترك آثاره على الحياة السياسية والحزبية داخلياً كما على سياسة أنقرة الخارجية.

كما أن خريطة البرلمان المقبلة ستكون مختلفة كلياً عن تلك الحالية، حيث سيتكون من سبعة أحزاب بالحد الأدنى في مقبال أربعة في الحالي، وستكون المعارضة تحت قبته أقوى مما هي عليه حالياً بكل الأحوال.

كما أن التحالفات القائمة اليوم ليست مرشحة لأن تستمر طويلاً وبنفس الخريطة بعد يوم الاقتراع فهي تحالفات انتخابية مؤقتة أكثر منها سياسية دائمة، وقد تشهد تقلبات وانزياحات في الاتجاهين أو تشتتاً داخل أحد أو كلى التحالفين لما يحمله هذان الأخيران من اختلافات وتنافسات وتناقضات خصوصاً تحالف الأمة المعارض.

بلغة الأرقام والنتائج، يمثل الرئيس اردوغان كأقوى المرشحين الرئاسيين وقادراً على الحسم من الجولة الأولى، في ظل ضعف المنافسين النسبي وغياب مؤشرات قوية على تراجع مهم في شعبيته منذ انتخابات 2014 التي حصل فيها على %52 من الأصوات. لكن بقاء الحسم إلى جولة إعادة لن يكون مفاجأة كبيرة أيضاً، بسبب عدد المرشحين الكبير وبعض المتغيرات في مزاج الناخب التركي وعدم توقع فوزه بنسبة مريحة، حيث تعطيه معظم استطلاعات الرأي شبه المهنية نسبة تتراوح بين 47-53% من الأصوات.

جولة الإعادة، إن حصلت، ستجمع بين اردوغان وإينجة الأمر الذي سينتج عنه تصويت شبه أيديولوجي سيكسب فيه اردوغان أصوات الإسلاميين والمحافظين وبعض القوميين خصوصاً أنصار حزب السعادة. بينما إن جمعته الإعادة مع أكشنار القومية، فإن معظم أصوات الأكراد ستتجه له، وفي كلتا الحالتين سيكون قادراً على الفوز بالرئاسة.

حسابات الانتخابات البرلمانية أعقد من الرئاسية بكثير، حيث يواجه العدالة والتنمية عدة تحديات. فطول مدة حكمه منفرداً والعدد الكبير للأحزاب المشاركة والتحالفات القائمة وبعض التململ داخل صفوفه وضعف حليفه، كلها عوامل تصب في خانة تراجع التصويت له عن آخر انتخابات برلمانية (%49.5) بشكل ملحوظ.

وعليه، يسعى العدالة والتنمية للفوز بالأغلبية البرلمانية من خلال تحالفه مع الحزبين القوميين الحركة القومية والاتحاد الكبير. يتقدم تحالف الشعب بفارق ملموس على تحالف الأمة المعارض في معظم استطلاعات الرأي وبمعدل قريب من %10، لكن ينبغي التنبه إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي أقرب لمواقف تحالف الأمة رغم عدم انضمامه له رسمياً.

وعليه، فإن العامل الأكثر تأثيراً في نتيجة الانتخابات البرلمانية هو مدى قدرة الشعوب الديمقراطي على تخطي العتبة الانتخابية ودخول البرلمان. ذلك أن فشله يصب بشكل مباشر وكبير في صالح العدالة والتنمية الذي قد يستطيع حينها الفوز بأغلبية البرلمان بمفرده بفضل تأثير العتبة الانتخابية، بينما قد يعني نجاحه وانضمامه للمعارضة داخل البرلمان إمكانية حصولها على أغلبية الأخير للمرة الأولى منذ 2002.

وفي ظل كل هذه التعقيدات والسيناريوهات المتوقعة وما سيترتب عليها، يمكن القول إن تركيا ما بعد الانتخابات ستختلف كلياً عنها قبلها، وبغض النظر عن النتيجة. لكن بعض النتائج ستكون أكثر تأثيراً وتغييراً من الأخرى، خصوصاً في حال فوز المعارضة بالرئاسة (وهو احتمال ضئيل جداً) أو الأغلبية البرلمانية (وهو وارد وإن كان أقل ترجيحاً).

ذلك أن فوز تحالف الشعب بالرئاسة وأغلبية البرلمان سيعني تناغماً بين الرئاسة والبرلمان وبالتالي استمرار السياسات الحالية خصوصاً في ملفي الاقتصاد والسياسة الخارجية التي ستكون أكثر قوة وزخماً وقدرات. بينما سيكون أي اختلاف بين الرئاسة والبرلمان أو فوز المعارضة بالرئاسة سبباً لبعض التعقيدات والعقبات أو اختلافات مهمة في ملفات حساسة مثل السياسة الخارجية والاقتصاد ومكافحة الإرهاب وغيرها.

في الخلاصة، تدخل تركيا مع الانتخابات المقبلة تجربة جديدة كلياً ومختلفة جذرياً عن تلك الحالية، وهي تجربة سيبلور ملامحَها وأبرزَ لاعبيها الناخبُ التركي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، حيث يبقى هو صاحب القرار الأول والأخير في صياغة المؤسسات التركية وأسماء قياداتها من خلال صناديق الاقتراع.

شارك الموضوع :

اترك رداً