سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

من سيحسم نتيجة الاستفتاء في تركيا؟

0

 

من سيحسم نتيجة الاستفتاء في تركيا؟

 

عربي 21

أيام قليلة تفصل تركيا عن أهم استفتاء شعبي في تاريخها الحديث، حيث سيتوجه أكثر من 55 مليون ناخب (تحديداً 55 مليوناً و 336 ألفاً و 960 ناخباً) إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد القادم للإدلاء بأصواتهم حول التعديل الدستوري المتمحور حول تحويل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي.

إضافة إلى هؤلاء، فقد أنهى أتراك  الخارج أمس تصويتهم الذي بدأ في 26 من آذار/مارس الفائت في 120 ممثلية دبلماسية لبلادهم في أكثر من 57 بلداً، وقد شهدت العواصم الأوروبية تحديداً ارتفاعاً واضحاً في نسبة المشاركة بالمقارنة مع آخر انتخابات برلمانية (حوالي %20)، ولعل الأزمة التركية – الأوروبية الأخيرة قد ألقت بظلالها على نسبة التصويت هناك.

حتى مساء الأمس، ووفق اللجنة العليا للانتخابات التركية، فقد أدلى مليون و 241 ألفاً و 837 مواطناً تركيا بأصواتهم في الممثليات الدبلماسية و 31 معبراً حدودياً، وفي حين انتهت عملية التصويت في الخارج فإن التصويت على المعابر الحدودية بمختلف أنواعها وأماكنها سيستمر حتى مساء يوم التصويت في السادس عشر من الشهر الجاري، حيث يتوقع أن يصل العدد الإجمالي حتى ذلك اليوم إلى مليون ونصف مليون ناخب.

ثمة عوامل عدة تؤثر في بلورة رأي الناخب التركي في هذا الاستفتاء، لعل أهمها انتماؤه السياسي والحزبي رغم أن المناسبة ليست انتخابات برلمانية أو رئاسية. يلي ذلك الموقف من الرئيس اردوغان حيث أظهر استطلاع رأي أجرته شركة (A&G) قبل شهرين من الآن أن %70 من الذين سيصوتون لصالح التعديل الدستوري سيفعلون ذلك ثقة باردوغان، بينما قال %30 من الذين سيصوتون ضده أنهم سيفعلون ذلك لأن اردوغان يدعمه.

وبالتأكيد فهناك عوامل أخرى مؤثرة في قرار الناخب التركي، مثل منطقة سكنه الجغرافية ومستوى تعليمه ومدى اطلاعه على المواد المستفتى عليها، لكن ما هو أهم من ذلك يبدو الحالة الاقتصادية في البلاد قبيل الاستفتاء والأوضاع الأمنية قبيل الاقتراع وخلاله، وهي المجالات التي تحاول بعض الأطراف تقليدياً اللعب على وترها للتأثير في رأي الناخب.

تشير استطلاعات الرأي القريبة نوعاً ما من الموضوعية (على قلتها) إلى تقدم الموافقين على التعديل الدستوري على المعارضين بنسبة تتفاوت بين شركة وأخرى، إلا أن خبرتنا في طريقة عمل هذه الشركات ومدة تقارب نتائجها مع النتائج الرسمية في عدة مناسبات انتخابية أجريت مؤخراً في تركيا يدعونا لعدم التعويل عليها، إذ يسعى معظمها عبر نتائجه التي يعلن عنها إلى التأثير على رأي الناخب بدل التعبير عنه. كما تجري الأحزاب المختلفة استطلاعات رأي خاصة بها تبقي نتائجها طي الكتمان للاستفادة منها في توجيه حملاتها الانتخابية، بحيث يركز كل حزب في الأيام الأخيرة على المناطق التي يتراجع التصويت فيها لخياره وعلى المواد التي تحظى بأكبر قدر من النقاش والتحفظ، وهذه الاستطلاعات هي الأقرب للدقة والموضوعية. في هذا الإطار، تشير مصادري إلى أن آخر استطلاع رأي أجراه العدالة والتنمية يشير إلى نسبة موافقة في حدود %53.

ما زالت الحملات الانتخابية تجري بالطرق التقليدية إلى حد كبير، سيما حملات حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالتعويل على المهرجانات الحاشدة والخطابات الحماسية والأغاني وما إلى ذلك، باعتبارها الأقرب للتأثير على “الناخب التقليدي” لهذا الحزب. لكن، ولأن الاستفتاء الشعبي على تعديل دستوري يختلف في دينامياته عن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، فلا يملك هؤلاء حسم نتيجة الاقتراع بل يملكها غيرهم، وهم فئتان متداخلتان.

الفئة الأولى هي الشباب الذين سيشارك منهم أكثر من مليونين للمرة الأولى في أي مناسبة انتخابية. ويشكل الشباب معضلة لمختلف الأحزاب إذ يحتاجون لأسلوب خاص في الدعاية والإقناع، ولكنهم يشكلون تحدياً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، فهؤلاء لم يعرفوا تركيا ما قبل العدالة والتنمية (وخصوصاً الانقلابات العسكرية) ولذلك يبدون أقل تقديراً لمنجزات الحزب وبالتالي يبدو إقناعهم أصعب من متوسطي وكبار السن، وقد سبق وساهموا في تراجع نسبة التصويت للعدالة والتنمية في انتخابات حزيران/ينويو 2015 التي فقد فيها أغلبيته البرلمانية وعجز بالتالي عن تشكيل الحكومة بمفرده إلا بعد انتخابات الإعادة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

سعى حزب الشعب الجمهوري لكسب ود هؤلاء ورأيهم حيث اهتم بإرسال رسائل وايميلات خاصة لهم لإقناعهم برفض التعديل الدستوري لاعباً على وتر الصلاحيات الممنوحة للرئيس والتخويف من تغوله على الديمقراطية والحريات، بينما يعول حزب العدالة والتنمية على تخفيض التعديل الدستوري لسن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 عاماً لإقناع الشباب فضلاً عن معايشتهم للمحاولة الانقلابية الفاشلة الصيف الفائت بما يحيي شعور الاستهداف لديهم.

الفئة الثانية – بل لعلها الأولى والأهم – التي ستحسم نتيجة الاقتراع يوم الأحد القادم هي فئة المترددين، وهي النسبة التي تقدر عادة في كل مناسبة انتخابية في تركيا في حدود %15. كانت نسبة المترددين لدى بدء الحملات الانتخابية في حدود 15-20%، بيد أن مرور الوقت ومسيرة الحملات الانتخابية التي تخللها نقاش المواد المتضمنة في التعديل الدستوري قد أثرت على ما يبدو على نسبتهم، وأخفضتها حسب بعض استطلاعات الرأي إلى حدود 10-12% في الأيام القليلة الماضية.

ولأن نسبة %10 من الأصوات مهمة ومؤثرة (5 ملايين صوت) سيما في ظل تقارب نسبتي الموافقة والاعتراض وفق استطلاعات الرأي سالفة الذكر، تبذل الأحزاب المختلفة وسعها وبالغ جهدها في إقناع هذه الفئة التي تتكون في الأساس من بعض الشباب والراغبين في مقاطعة التصويت لتحفظهم على مواد بعينها في التعديل المقترح. هنا تمزج هذه الأحزاب بين الشعبوية واللعب على وتر العاطفة وتحوير مضمون المواد المستفتى عليها والتخويف من مآلات التصويت رفضاً وموافقة فضلاً عن الشخصنة والتراشقات الإعلامية، وغيرها من التكتيكات الانتخابية المعروفة.

ولأن المترددين عادة ما يحسمون رأيهم في الأيام بل والساعات القليلة الأخيرة قبيل الإدلاء بأصواتهم، تحمل الأيام المتبقية حتى يوم الاقتراع أهمية بالغة بالنسبة للأحزاب السياسية والناخبين على حد سواء، الأمر الذي يبشر في الأيام المتبقية حتى يوم الاقتراع بسخونة متوقعة في الحملات الانتخابية واللعب أكثر فأكثر على وتر الاستقطاب والمناكفات السياسية والحزبية، ولكن يحيل أيضاً إلى صعوبة توقع النتيجة قبل مساء يوم السادس عشر من أبريل الحالي، والذي سيخلده التاريخ كيوم مفصلي في تاريخ تركيا الحديث سيترك أثره على مستقبلها ومسارها بشكل واضح بغض النظر عن نتيجة التصويت فيه.

شارك الموضوع :

اترك رداً