سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

ملامح النصر القادم … يرونه بعيداً ونراه قريباً

0

من البديهي والمعروف للجميع (بمن فيهم من لا يعترفون بذلك علانية ) أن نتيجة أية حرب لا تحسب بعداد القتلى في الطرفين … ولا بمقدار الخسائر المادية في الأملاك والمؤسسات والأبنية …

ولم يخبرنا التاريخ أن أية حركة تحرير في أية بقعة في الأرض كانت أكثر من عدوها عدة وعتاداً .. أو انها أوقعت فيه أكثر مما أوقع فيها من خسائر …

وفي اليوم السادس للعدوان الصهيوني العسكري على قطاع غزة … ما زلنا لم نر أية ملامح لنصر “إسرائيلي” ادعوه زوراً وبهتاناً .. لم نر إلا غارات جوية جبانة أوقعت مئات الشهداء وآلاف الجرحى .. دمرت الأبنية والمؤسسات , المساجد والمدارس والمستشفيات ..

ولئن كانت القيادة الصهيونية رفضت الإفصاح عن أهداف واضحة ومحددة للعملية العسكرية .. فليس ذلك لعدم وجودها , فليس من أمر منطقي أكثر من وجود أهداف بل وخطط لكل عمل عسكري أو أمني كبر أو صغر… وإلا لكان الأمر عبثاً لا طائل منه.. والمنطق يقول أن أي عمل عسكري منوط بأهداف عسكرية محددة يراد الوصول إليها لتحقيق أهداف سياسية معينة .. وإلا فكيف تحدد بداية ونهاية وتطورات هذه العملية أو تلك؟؟ وعلى أي أساس ؟؟

إذاً هناك أهداف – وإن كانت غير معلنة – للعملية العسكرية الصهيونية على قطاع غزة .. فلم هي غير معلنة إذاً ؟

إنه أحد الدروس التي تعلمها الصهاينة من حربهم ضد حزب الله في لبنان عام 2006 .. فالإعلان عن أهداف معينة يؤدي إلى فشل العدوان عندما لا يتم تحقيق تلك الأهداف أو التأخير في تحقيقها … إضافةً إلى أنه يؤدي إلى ضغط شعبي داخلي كلما تأخر تحقيق تلك الأهداف … عدا عن فشل العملية العسكرية برمتها وإعلان إخفاق المؤسسة العسكرية في تلك الحالة ..

لذا نقول أن إخفاء الجيش الصهيوني أو قياداته السياسية لأهداف العملية العسكرية هو تدبير احترازي للإخفاق المحتمل في تنفيذها .. لكن تلك الأهداف لا تخفى على كل ذي بصيرة … ويمكن تلخيص الأهداف كالتالي:

1. وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة .

2. إغتيال قيادات حماس والقسام أو بعضها .

3. إضعاف حركة حماس وسيطرتها على القطاع أو القضاء عليها نهائياً إن أمكن.

4. إعادة قطاع غزة “لبيت الطاعة” الإسرائيلي عن طريق إعادته لسيطرة عباس .

ودعونا نقيم نتائج تلك الأهداف في ضوء اليوم السادس للعدوان..

فالجيش الصهيوني لم يستطع تدمير منصة إطلاق صواريخ واحدة فضلاً عن أن يوقف إطلاقها.. وما زالت الصواريخ الفلسطينية وبالذات القسامية تنهال على البلدات والمدن الفلسطينية المحتلة (ولا أقول الإسرائيلية) بنفس الزخم وتحت نيران الطائرات المقاتلة … بل وتزيد في بعد الأهداف التي تقصفها مع مرور الوقت ..

وقيام الطائرات الصهيونية بمئات الغارات من عشرات الطائرات بنفس الوقت لم يحقق لها عنصر المفاجأة في استهداف وقتل القيادات الفلسطينية في القطاع وفي مقدمتها قيادات حماس والقسام.. وقبل نهاية هذا اليوم لم تكن “إسرائيل” قد تمكنت من اغتيال أي قيادي بارز تستطيع تسويقه على أنه انتصار عسكري لها في حربها ..وليس استشهاد القيادي البارز نزار ريان رحمه الله استثناءاً لذلك .. فقد كان رحمه الله صاحب نظرية خاصة بثبات القائد بين الشعب وعدم الاختباء ..,وهي وجهة نظر تحترم رغم اختلافنا معها..وفي المحصلة, فالجيش الصهيوني فشل في اغتيال أي من القياديين المختفين عن الساحة , المستمرين في عملهم المقاوم , مما يعتبر إخفاقاً عسكرياً وأمنياً مزدوجاً ..

كانت الضربة العسكرية المكثفة المفاجئة في اليوم الأول كافية لإثارة الفوضى والقلاقل في أي منطقة يوجد تباين فيها بين القيادة والشعب .. ولعل هذا ما أرادته “إٍسرائيل” من خلال إستهدافها للشرطة والقوى الأمنية .. لكن الانضباط والصبر والثبات الذي أظهره اهلنا في غزة أشار اولاُ إلى احتضانهم لحماس وقوى المقاومة من ناحية , ومن ناحية أخرى أشار إلى أن حماس وحكومة الأستاذ اسماعيل هنية ما زالت ممسكة بزمام المبادرة ولم تخسر سيطرتها على الموقف. وقبضتها ما زالت بذات القوة في القطاع ..

وعلى صعيد آخر… كانت تصريحات مختلف القيادات من مشعل إلى أبي مرزوق ومن هنية إلى برهوم تدلل وبكل قوة وحزم أن حماس والحكومة ما زالتا بنفس القوة والثبات والتماسك .. ولم تنل منهما الحرب أي تردد أو تهاون أو تنازل في المواقف السياسية .

وبالنظر إلى كل تلك المظاهر والنتائج .. فإن عودة عباس للسيطرة على قطاع غزة على دبابة إسرائيلية غير ممكنة أو واردة على الإطلاق .. فلا المقاومة ضعفت ليحل مكانها ولا الشعب في غزة انخدع بمواقفه السياسية “الذابلة” ولم يصنفه إلا إلى جانب “مبارك” و”عبدالله” و”عبدالله” و”عدو الله” ( أولمرت) .. ولذلك لا أعتقد أن عباس نفسه يتوقع أن يستقبله شعب غزة بالورود في حال انكسار المقاومة لا سمح الله .

وإذا أضفنا إلى كل ذلك الهبة الجماهيرية القوية في الضفة والعالم العربي والإسلامي بل في العالم كله .. وما جنته “إسرائيل” من سمعة سيئة في العالم أجمع..وإذا أضفنا إليها انهيار عملية التسوية إلى اجل غير مسمى .. وإذا أضفنا ازدياد جماهيرية حماس وقوى المقاومة في مقابل ضعف عباس وزمرته والنظام السياسي الرسمي العربي .. نرى وبكل جلاء أن الحملة العسكرية الإسرائيلية تمضي من فشل إلى فشل .

إذا ما الحل لدى الساسة الصهاينة ؟؟

لديهم في الحقيقة أمران أحلاهما مر..

1. قد يضطرون – لتحقيق أهدافهم – إلى عملية برية يعرفون منذ الآن أنهم سيدفعون فيها ثمناً باهظاً جداً من جنودهم ودباباتهم وسمعة جيشهم وقدرة الردع لديهم على المدى البعيد .. مما ينذر بمستقبل قريب تتغير فيه قواعد اللعبة والتوازنات في المنطقة برمتها .

2. أو قد يراهنون على ضغط القمة العربية مع عباس والموقف الدولي لإحراج حماس وتحميلها المسؤولية الأخلاقية عن وقف سيل الدم في غزة .. بحيث تضطر حماس والفصائل الفلسطينية إلى هدنة جديدة بشروط إسرائيلية .. مما يرفع الحرج عن “إسرائيل” ويمكنها من وقف العمليات العسكرية مع حفظ ماء وجهها (ولا وجه لها) ..ولكن هذا ما لا يبدو ممكناً في ظل الوضع الراهن وصمود المقاومة والناس ..

وعدا عن هذين الأمرين لا يبدو العامل الجوي مفيداً أكثر من ذلك في الضغط على حماس .. فالطائرات قصفت “القائمة” الموجودة لديها من المراكز والأهداف داخل القطاع مضيفةً بعض الأهداف الأخرى … ومع ذلك لم تكسب شيئاً .. وعلى ذلك فالطائرات الصهيونية خارج الحسابات العسكرية تأثيراً في وضعها الحالي .. وكل ما تفعله أنها تحاول الضغط “سياسياً” على حماس في انتظار المغامرة العسكرية البرية .

ملحوظة أخيرة لا بد منها .. لم يكن يوماً انتصار حركات التحرر بتدميرها جيش العدو أو تسجيلها معجزات عسكرية أبداً … لم نر ذلك في شواهد التاريخ وربما لن نرى .. انتصار المقاومة يكون بالصمود والتصدي وعدم الضعف والتنازل عن المبادئ والثوابت .. وعندما تضطر “إسرائيل” إلى وقف العمليات العسكرية دون انتزاع مواقف وتنازلات سياسية من حماس والمقاومة فذلك هو النصر بعينه ..

وإن غداً لناظره قريب … وكل آت قريب …

شارك الموضوع :

اترك رداً