سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

على هامش قرار الإخوان

0

لم يكن قرار الإخوان يوم أمس بترشيح المهندس خيرت الشاطر لسباق الرئاسة قراراً عادياً، بل ربما لا نبالغ إن قلنا أنه أهم وأخطر قراراتهم منذ بداية الثورة، ولذلك لم يكن مستغرباً أو غير متوقع هذا الكم الهائل من الانتقادات والنصائح والتهكمات والاتهامات التي كيلت لهم. لكن، وبعيداً عن طرفي النقيض في التعليق، أولئك المهاجِمين المخوّنين وأولئك المبررين لكل تفصيلة وكأن لا مشكلة فيها، أضع هذه النقاط أو الإشارات التي أراها مهمة على هامش القرار:

 

أولاً.. جماعة الإخوان المسلمين بشر يخطئون ويصيبون، فلا يستقيم مع ذلك تقديسهم وكأنهم ملائكة لا يخطئون، ولا شيطنتهم وكأنهم خونة لا يصيبون. كما أن القرار محل النقاش قرار سياسي بامتياز، ليس فيه ما ينقض العقيدة أو الوطنية أو الأخلاق بحال، وهكذا يجب بدايةً وضع الأمور في نصابها. فإذا كانت الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، أفلا يتغير القرار السياسي وفقاً لتقلبات الأوضاع؟؟

 

ثانياً.. ما رشح عن تصويت اجتماع مجلس شورى الإخوان من نتيجة (موافقة 56 ومعارضة 52 عضواً) يؤكد ما نعتقده من أن القرار لم يكن سهلاً على الجماعة وقياداتها. فالجماعة وعلى مدى شهور عدة حاولت التوصل مع الأطراف المختلفة إلى شخصية توافقية لتكون مرشحة الجميع للرئاسة، وانتقدت من قبل أعضائها ومحبيها بسبب ذلك، وتواصلت مع ثلاثة شخصيات رفيعة المقام ومشهود لها بالخبرة والكفاءة (المستشاران البشري والغرياني وشخص ثالث)، لكنها لم توفق لإقناع أي منهم بالترشح. فلا يصح –والحال كذلك – أن نقول أن الإخوان كانوا قد بيتوا النية لهذا القرار منذ زمن.

 

ثالثاً.. التطورات الأخيرة التي ساقها الإخوان كمبررات لتغيير قرارهم ليست مما يستهان به. فحكومة الجنزوري ضربت صفحاً عن كل ما قاله البرلمان مدعومة من المجلس العسكري الذي رفض تغييرها، وتصرف وكأنه الحاكم وكأن مجلس الشعب مجلس استشاري فقط. وأغلب ما تتخذه من قرارات وتنفذه من سياسات يضعف الإقتصاد ويثقل التركة على أي حكومة مستقبلية، إضافة إلى الأزمات الكثيرة المفتعلة، ووقوف المجلس العسكري طرفاً في السجال الدائر حول لجنة صياغة الدستور. فإذا ما أضفنا إلى كل هذا أنباء ترشح عمر سليمان وتهديد المجلس الأعلى للقوات المسلحة للإخوان بحل البرلمان (الشعب والشورى) بقرار المحكمة الدستورية، إلى احتمالية حل حزبي النور والحرية والعدالة على اعتبار أنهما حزبان دينيان مخالفان للقانون، نجد أن المشهد ينذر “بقمع” الديمقراطية المصرية ووأدها في المهد، وإرجاع الثورة والشعب والبلاد عشرات السنوات إلى الوراء، فكان لا بد للإخوان من خطوات وقرارات على مستوى التحدي القائم، باعتبارهم حزب الأغلبية الذي حمله الشعب المسوؤولية.

 

رابعاً.. كل ما صدر من انتقاد أو تهجم أو حتى تخوين كان متوقعاً، لما للإخوان من وزن وتأثير في مسيرة مصر الحالية، ولما للقرار من أهمية على مسار انتخابات الرئاسة، ولأن الإخوان “تبرعوا” خلال الثورة بقرارهم عدم ترشيح أحدهم للرئاسة، ولأن الكثيرين – للأسف – ينتقدون مهما كان القرار (أولئك يرون صفقة بين الإخوان والمجلس العسكري إن لم ترشح الجماعة أحداً، أو دعمت مرشحاً من الموجودين، أو لم تدعم أحداً، أو حتى رشحت منها شخصاً، وربما ستبقى اتهاماتهم بالصفقة والعمالة حتى لو -لا سمح الله- سالت دماء في الصراع الواضح الآن بين المجلس والإخوان ككبرى الكيانات السياسية في البلد).

 

خامساً.. لماذا لم تدعم الجماعة أحد المرشحين “الإسلاميين” أبو الفتوح-العوا-أبو اسماعيل؟ بدايةً، من حق الجماعة (كقرار سياسي) أن تؤيد من تشاء منهم أو أن ترفضهم جميعاً، ولا ينقص ذلك من قيمتهم أو من مصداقيتها شيئاً. لا تستطيع الجماعة دعم أبو الفتوح لحسابات تنظيمية داخلية تتعلق بمصداقيتها أمام شبابها، وأزعم أنها لو فعلت لكان اللغط الدائر الآن أكبر بكثير. وترى في أبو اسماعيل شخصاً محترماً ذا فكر قويم، ولكن لا يصلح للرئاسة، كما أن العوا يأتي بعدهما حتماً من حيث التقييم.

 

سادساً.. لم ترشح الجماعة المهندس الشاطر لأنه رجل أعمال كبير أو لأنه يسيطر على قرار الإخوان وما إلى ذلك. إن الناظر بعين المراقب الجيد لسباق الرئاسة يرى أنها مضطرة لترشيح شخص قوي وعلى كفاءة وكاريزما عالية جداً تستطيع من خلاله تجاوز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (لتفادي تشرذم أصوات منتسبيها)، وتجميع القوى السياسية الأخرى وعلى رأسها النور من خلفه، بل وربما إقناع بعض المرشحين بالتنازل لصالحه، وحين نرى الأمور من هذه الزاوية نجد أن المواصفات تنحصر في شخصيات معدودة على رأسها الشاطر.

 

سابعاً.. من هذا المنطلق أستطيع ان أقول أن الجماعة “ضحّت” بالشاطر وزجت به في سباق الرئاسة، في حين كانت تأمل أن يكون على رأس الحكومة، أو أن يكون العقل المخطط والمتابع والمراقب من خلف الكواليس دون مهام تنفيذية. لكن كل المعايير والحيثيات السابقة اضطرتها لهذا التصرف الذي لم تكن ترده، خاصة إن قرر الدستور القادم أن النظام برلماني محض، يحد من مهام وصلاحيات الرئيس.

 

ثامناً.. يؤدي قرار الجماعة إلى “تفتيت” الأصوات في الانتخابات فقط من الناحية النظرية، أما عملياً فما زال في الوقت متسع للتنسيق (إن لم يكن قد تم فعلاً) مع حزب النور أولاً، ثم مع بقية الأحزاب، ثم بعض المرشحين، لدعم مرشحها في مقابل مرشحي “الثورة المضادة”، في ظل التخوف من تزوير محتمل. كما أنه سيصعب على أي مرشح أن يحصل على الخمسين زائد واحد في المرحلة الاولى، مما سيؤدي إلى مرحلة ثانية ستحشد فيها الأصوات –غالباً- على أساس الثورة وأعدائها وعلى أساس الأيديولوجيات: الإسلاميون مقابل مرشحي الفلول، وهنا لن يكون هناك خسارة أو تشتيت للأصوات.

 

تاسعاً.. الكلام عن انشقاقات كبيرة في الإخوان على خلفية القرار مبالغ فيها وأحياناً مقصودة، والكلام عن إخلاف الوعد ونقض العهد والاستئثار بالسلطة بعيد جداً عن مبادئ العلوم السياسية حتى ولو قال بها أساتذة ذلك العلم. فكمال الهلباوي مثلاً (الذي أعلن استقالته على الهواء وهاجم القرار واتهم الإخوان بعقد صفقة مع المجلس العسكري) اتضح أنه على خلاف مع قيادة الإخوان منذ مدة وخرج ليستغل الموقف، إضافة إلى أنه لا يحمل الصفة القيادية التي ادعتها له بعض المنابر الإعلامية عمداً. فجماعة الإخوان، وكما قال النائب في البرلمان وحيد عبد المجيد، لديها تقاليد قديمة وواضحة في التنظيم والالتزام، ومن الصعب جداً أن يؤدي قرار سياسي مهما كان حجمه إلى انشقاقات كبيرة في صفوفها.

 

عاشراً.. بكل الأحوال قرار عدم الترشح للرئاسة لم يكن عهداً مع الأطياف السياسية المختلفة، بل كان وعداً قطعه الإخوان على انفسهم بناءً على مقدمات وحيثيات ما، تغيرت الآن بشكل واضح، الأمر الذي يجعل القرار الحالي متفهماً، او على الأقل ممكناً. كما أن مسيرة الإخوان منذ بداية الثورة تظهر بشكل واضح محاولاتهم للشراكة مع الجميع حتى ولو أغضب ذلك الأمر قواعدها (في قوائم الانتخابات، وفي لجان البرلمان، وحتى في تشكيل لجنة الدستور !)، فلا يصح اتهامها بالاستئثار والتسلط. كما أن المتعارف عليه في كل النظم الديمقراطية أن حزب الأغلبية يشكل الحكومة ويسعى للرئاسة لينفذ برنامجه الذي سيحاسبه عليه الشعب، دون الوقوع في فخ الحسابات أو المساومات أو الابتزازات التي ترافق الائتلافات الحكومية، ونقرأ في الواقع أن استقرار الحكومات والنظم السياسية هو أهم عوامل النهضة الاقتصادية في أي بلد من البلدان.

 

خلاصة القول أن القرار الذي اتخذه الإخوان وضعهم في قلب العاصفة حتماً، واتخذوه فيما يبدو مضطرين، مما سيعرضهم لحملات أعنف من التشويه الإعلامي، وكمية أكبر من الاعتراضات والانتقادات والاستفهامات، واستهداف أشد من المجلس العسكري، الأمر الذي يضعهم أمام مسؤوليات ضخمة عمادها التواجد الإعلامي القوي، واللغة الصريحة الصادقة الواضحة، والشفافية مع الأعضاء والمحبين، والتلاحم مع الشعب وشرح التداعيات، والعمل الدؤوب للتوافق مع مختلف الأطراف، حيث ليس من مستفيد من تفرق القوى الثورية والوطنية والإسلامية في هذه اللحظة الفارقة غير “فلول” نظام مبارك التي تعمل على قدم وساق وتنتظر فرصة الانقضاض.

شارك الموضوع :

اترك رداً