سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

الثورة المصرية .. وفرصة استعادة المبادرة

0

سيكتب التاريخ يوماً أن أكبر خطايا الثورة المصرية (نجحت أم -لا سمح الله- فشلت) أنها قبلت بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة حكماً وحاكماً خلال الفترة الانتقالية، مرتضية العملية السياسية وفق قواعد وقوانين المؤسسات التي كانت تحت إمرة مبارك وفي خدمته.

 

رضيتْ القوى السياسية الممثلة للثورة (وفي مقدمتها الإخوان المسلمون) بالعملية السياسية الديمقراطية ظناً منها أن المجلس العسكري قد فهم الدرس واستسلم للواقع الجديد الذي فرضته الثورة مغيرة كثيراً من المفاهيم، خصوصاً مع تأكيد المجلس المتكرر على نيته تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة. لكن الأسابيع الأخيرة حملت مفاجآت من العيار الثقيل، للثورة وقواها.

 

فاستبعاد مرشحيْن إسلاميَيْن من سباق الرئاسة دون وجه حق (رغم حكم محكمة لصالح أحدهما)، وإعادة شفيق إليه رغم قانون العزل وبعد انتهاء فترة التظلم، جعلا الجميع يتريب من نوايا المجلس ومن لفّ لفه، وزاد الشكوكَ مصداقية نجاحُ شفيق في الوصول لمرحلة الإعادة، مما وضّح دون أدنى مجال للشك أن النظام السابق يعمل ليل نهار ليعيد تشكيل نفسه وتنظيم قواه تأهباً لاستلام السلطة مجدداً. ثم جاءت قرارات محاكمة مبارك والتي كان من ضمنها تبرئة كبار مساعدي وزير داخليته لتدق نواقيس الخطر على ثورة لم تستطع بعد سنة ونصف أن تثبت أقدامها أو أن تضيف شيئاً إلى سجلها، بعد إسقاط رأس النظام.

 

إلا أن أسوأ المفاجآت التي اختبأها المجلس والمحكمة الدستورية كان قرار حل مجلس الشعب (ما زال الجدل سارياً حول حيثياته وكيفية تطبيقه) قبل يومين فقط من مرحلة إعادة الانتخابات الرئاسية، في تحد سافر لإرادة الشعب وممثليه، مما خلط كل الأوراق مجدداً.

 

إعلان المجلس العسكري فوراً تبنيه لقرار حل البرلمان واستعادته هو مقاليد السلطة التشريعية، ونيته إصدار إعلان دستوري مكمّل يحدد مهام الرئيس القادم وتأسيس لجنة صياغة الدستور، كشف عن مدى استخفافه بالثورة وما قامت من أجله، وبرهن على أن المجلس لم يكن يوماً “ينتوي” التخلي عن الحكم والخروج من الساحة السياسية. حينها فقط تأكد الجميع أن الثورة المصرية أصبحت على المحك، وأنها ربما عادت إلى نقطة الصفر.

 

اليوم، ومع المؤشرات القوية لفوز د. محمد مرسي بمنصب الرئيس في مصر، تلوح في الأفق فرصة تاريخية للثورة لاستعادة المبادرة وتصحيح المسار. فمجلس الشعب الذي رفض قرار حله لم يعد وحيداً في مواجهة الثورة المضادة، بل بات يستطيع الاستقواء برئيس منتخب وإرادة شعبية رفضت أحمد شفيق وما يمثله.

 

اليوم فقط يستطيع الدكتور سعد الكتاتني (الذي مُنِعَ مع باقي النواب من دخول البرلمان بالقوة) أن يدعو مجلس الشعب للانعقاد، وأن يستنفر الجماهير لتنزل وتؤمّن انعقاده رغم أوامر قيادة الجيش. والبديل أن يدعو “الرئيس” محمد مرسي المجلسَ للانعقاد وإكمال عمله؛ فإذا ما تم ذلك، ستكون الثورة قد بدأت تحكم فعلاً، مثبتة أقدامها وبقوة.

 

لاحقاً على ذلك وغير متأخر عنه، يجب أن يعلن الرئيس الجديد انتهاء “الفترة الانتقالية” التي تولى فيها المجلس العسكري حكم البلاد، منهياً العمل بالإعلان الدستوري الذي كان سارياً فيها (وغير معترف بالثاني الذي أصدره بالأمس)، على أن يصدر مجلس الشعب إعلاناً دستورياً “ثورياً” مؤقتاً لحين الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، وربما سيكون من الضروري تجميد المحكمة الدستورية أو استبدالها لتفويت الفرصة على الالتفاف على الثورة ومكتسباتها.

 

الوقت هنا من ذهب، بل ومن دماء، فالمجلس العسكري يعمل على قدم وساق وقد بدأ فعلاً بالإعلان الدستوري المكمل الذي كبّل يدي الرئيس القادم وحدد صلاحياته، وأعطى المزايا المختلفة لنفسه فيه، وبالتالي فكلما كان التحرك أسرع كلما كان أنجع، وأجدى للنجاح، وأحقن للدماء.

 

لا أقول أن هذا السيناريو وَرْدِيٌّ وآمنٌ ولن تعتريه الصعوبات، ولا أقول أن المجلس العسكري وقوى الثورة المضادة سيستسلمون للثورة ويسلمون بالأمر الواقع، ولا أقول أنه سيمر دون تضحيات ربما تفوق ما قدمته الثورة حتى الآن من شهداء وجرحى ومعتقلين، ولكني أقول أنها فرصة ذهبية لتستعيد الثورة أنفاسها وتثبّت أقدامها وتبدأ المرحلة العملية الجدّية في بناء مصر الحديثة. فرصة ذهبية ربما تكون الفرصة الأخيرة.

 

 

شارك الموضوع :

اترك رداً