سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

هل إحسان أوغلو فعلاً مرشح للرئاسة؟

0

عندما أعلن حزبا المعارضة الرئيسان الشعب الجمهوري والحركة القومية البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو مرشحاً توافقياً بينهما لرئاسة الجمهورية بدا في حينها وكأنهما قد أحسنا الاختيار لناحية الحسابات والتوازنات الانتخابية، حتى تكون هناك منافسة حقيقية للمرشح المحتمل (في حينها) والرجل القوي اردوغان. فهل ما زال ذلك الانطباع وجيهاً؟؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أزمة المعارضة العميقة، تلك التي أدركت أنها لن تستطيع منافسة رئيس الوزراء ورجل الدولة القوي اردوغان بمرشح من صفوفها، خاصة حزب الشعب الجمهوري (الكمالي العلماني) الذي يبدو بعيداً شيئاً ما عن توجهات أغلبية الشارع التركي. ذلك أن نظرة سريعة على نتائج الانتخابات المتتالية، المحلية والبرلمانية والرئاسية، منذ عام 2002 تعطي مؤشراً شبه دقيق للنتيجة المتوقع أن يحصل عليها أي مرشح منه، ولا يختلف الحال كثيراً في حزب الحركة القومية اليميني أيضاً.

هنا، كانت المعارضة في حاجة لشخصية مستقلة، غير حزبية، ومحسوبة على الإسلاميين، في محاولة لكسب أصوات بعض الإسلاميين واليمينيين، وربما أيضاً الأكراد الذين يستبعد جداً أن تصوت أغلبيتهم لأي من مرشحي الحزبين المذكورين لمواقفها التاريخية والحالية من القضية الكردية وعملية السلام الجارية مع الحكومة التركية. وحين رشحت المعارضة الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، المعروف بسجله الأكاديمي المرموق ويده النظيفة وبعده عن محاور السياسة الحزبية في تركيا، بدا لأول وهلة وكأنها كانت “ضربة معلم”، رغم ما يعتري الرجل وترشيحه من سلبيات سبق وأن ذكرناها في مقال سابق.

لكننا اليوم، وبعد أسابيع من إعلان الترشيح وبدء الحملة الانتخابية وقبل أيام من الاستحقاق الانتخابي الكبير، مضطرون لإعادة التقييم بناء على حقائق الواقع التي تتمظهر في عدة تجليات منها:

  • شعار حملة إحسان أوغلو (أكمل الدين من أجل الخبز) أوحى بسذاجة سياسية وعدم دراية بواقع تركيا والتغيرات التي شهدتها في السنوات الأخيرة، وتظهر ربما تأثير ونفوذ حزب الشعب الجمهوري (ذي الميول اليسارية) لدى المرشح. ذلك أن تركيا غادرت منذ سنوات مدرجات دول العالم الثالث، ولم تعد هموم المواطن التركي منحصرة في إيجاد لقمة العيش. تركيا التي صنعت الطائرات والدبابات وتعمل على إنتاج سيارتها الخاصة لا تبحث عن الخبز، بل تقدمه لكثير من الدول.
  • خذلان الحزبين الرئيسين لمرشحهما التوافقي، فلم نر حملة انتخابية قوية ولا مؤتمرات حاشدة يبدو الرجل في أمس الحاجة إليها لتعريف المواطن التركي به وإقناعه بانتخابه، ذلك أن الرجل ولد وترعرع في مصر، ثم تقلد منصباً في منظمة دولية، فبقي مجهولاً ومغموراً في أوساط شعبه. لقد فضلت المعارضة أن تنظم لمرشحها لقاءات نخبوية في بعض الفنادق الضخمة، مما جعله أقرب لوصف “مرشح الصالونات”.
  • حملة إعلامية ضعيفة جداً لرجل يفترض أنه ينافس الرجل الأقوى في تركيا. إن جولة قصيرة في أي حي من أي مدينة تركية يظهر بجلاء ضعف الإعلانات والدعايات التي تخدم الرجل، فلا لوحات أو يافطات معلقة بكثافة، ولا سيارات تجوب الشوارع تدعو لانتخابه، ولا صوره ملأت الشوارع والميادين.
  • أداء أقل من متواضع لمرشح رئاسي، لم يكتف بعدم إقناع المواطنين باطلاعه على مشاكل البلاد الرئيسة وامتلاكه حلولاً لها، بل قدم حتى الآن لمنافسه القوي عدة فرص للنيل منه ومن جدارته بالمنصب الأعلى في الدولة، لم يكن آخرها جهله بالنشيد الوطني لبلاده، التي يغلب على شعبها النزعة القومية العميقة.

والحال كذلك، ينبغي أن يطرح السؤال مرة أخرى: هل كان البروفيسور إحسان أوغلو مرشح المعارضة لمنافسة اردوغان فعلاً؟ وهل كانت المعارضة جادة في ترشيحه وتأمل حقاً بفوزه بكرسي الرئاسة؟ أم إنه كان وصفة جيدة لإنقاذ كرسي الرئاسة في الحزبين المعارضين؟

ذلك أن الانتخابات الرئاسية القادمة مفصلية جداً في تاريخ تركيا الحديث، حين سينتخب الشعب لأول مرة في تاريخه رئيس الجمهورية باقتراع مباشر، وحيث يتوقع أن تكون استهلالاً لتغير مهم في النظام السياسي التركي ولصياغة سياسات تركيا الداخلية والخارجية في السنوات القليلة القادمة. فلربما لم يرد رئيسا الحزبين المعارضين كيليتشدار أوغلو وبهجلي المغامرة بمرشح حزبي، حتى لا تكون خسارته فشلاً شخصياً لهما يؤدي إلى نهاية مسيرتهما السياسية.

بيد أن المشهد الحالي لا يشي بنجاتهما من هذا المصير، بل يبدو أنهما يقتربان منه أكثر وفق العديد من التوقعات. ذلك أن الغضب من سياسة وسلسلة فشل رئيس حزب الشعب الجمهوري بلغ أوجّه، وينتظر أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة (في حال خسر إحسان أوغلو، الذي فرضه رئيس الحزب على أعضائه فرضاً) فرصة لانعقاد مؤتمر الحزب الذي يتوقع أن يطيح برئيسه الحالي، بينما يبدو أن دولت بهجلي قد تقدم به العمر ولم يعد قادراً على قيادة حزبه أكثر من ذلك.

بهذا المعنى، ولعديد من الاعتبارات الأخرى التي سنتناولها في مقالات قادمة، تعتبر الانتخابات الرئاسية القادمة في العاشر من الشهر الجاري انعطافة مهمة في تاريخ تركيا الحديث، ولن تنحصر نتائجها على الداخل التركي، بل يتوقع لها أن تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في عدد من القضايا الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، على رأسها فلسطين وسوريا ومصر والعراق.

 

شارك الموضوع :

اترك رداً