سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

نتائج الانتخابات البلدية وتأثيراتها المحتملة

0

لا يتوقع أن تحمل الانتخابات البلدية المقبلة في تركيا مفاجآت ضخمة، إذ تظهر أغلب استطلاعات الرأي أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على أكثر مما حصل عليه في الانتخابات المحلية السابقة عام 2009 (%38). إذن، ليست العبرة فقط بالأرقام، بل أيضاً بمعايير أخرى منها بعض المدن المهمة وعدد البلديات التي يفوز بها كل حزب.

نتحدث هنا عن مدينة اسطنبول بعدد سكانها الكبير ورمزيتها العالية والتي تعتبر قصة نجاح تحسب للعدالة والتنمية، إذ جرى فيها تحالف غير معلن بين حزب الشعب الجمهوري المعارض وجماعة الخدمة/كولن، وربما أيضاً حزب الحركة القومية، لإنزال رئيسها الحالي قدير طوبباش عن كرسيه. كما نتكلم على مدينة إزمير التي تعتبر إحدى قلاع حزب الشعب الجمهوري المعارض والتي رشح فيها الحزب الحاكم أحد أنجح وزرائه في محاولة لإيقاع هزيمة تاريخية بالحزب الكمالي. وتحوز مدينة دياربكر الكردية أهمية خاصة في سياق تقييم نتائج ما قام به الحزب الحاكم من إصلاحات ديمقراطية تخص حقوق الأكراد، وتنمية اقتصادية ومشاريع تنموية، إضافة إلى عملية السلام التي أوقفت إلى حد كبير شلال الدم جنوب شرقي البلاد، وقد يكون بإمكانه انتزاعها من يد حزب السلام والديمقراطية.

إضافة إلى هذه المدن التي تعتبر قلاعاً حصينة للأحزاب الثلاثة المذكورة، سيكون عدد البلديات التي يفوز بها كل حزب (خاصة في المدن الكبرى) مؤشراً أدق من نسبة التصويت له بعموم البلاد. إذ أننا إزاء انتخابات محلية خدماتية لا انتخابات برلمانية حزبية.

يستثنى من هذه المقاربة لتقييم نتائج الانتخابات المرتقبة أي نسبة استثنائية، ارتفاعاً أو هبوطاً، وهو ما يعتبر ضمن سياق استطلاعات الرأي الحالية مستبعداً. ذلك أن فوزاً عريضاً جداً للعدالة والتنمية (أكثر من %50 ربما) سيشجع اردوغان على المضي قدماً بمشروع ترشحه لرئاسة الجمهورية، ربما بعد تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات الرئيس.

بينما سيعني تدهور كبير لأصواته (أدنى من %30 ربما) تأثرَ شعبيته بادعاءات الفساد التي تلاحق بعض وزرائه ومسؤوليه بل واردوغان نفسه منذ أشهر، مما قد يدفعه إلى الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، أو (وهذا الأرجح) تغيير النظام الداخلي لحزبه بما يتيح له الترشح لمرة رابعة لرئاسة الحزب والحكومة.

لهذا تحديداً، تعتبر نتائج هذه الجولة الانتخابية حاسمة جداً في تحديد وجهة اردوغان السياسية، ومكان الرئيس الحالي عبدالله غل السياسي (بالتبعية والتأثير)، وربما أيضاً مصير كل من حزب العدالة والتنمية وجماعة الخدمة. ذلك أن استمرار نجاح الحزب الحاكم سيعني استشراس حرب اجتثاث “التنظيم الموازي” في مؤسسات الدولة، بينما سيعني سقوطه تراجعاً لدور تركيا الإقليمي والدولي لصالح سياسات الانكفاء التي عرفتها وحفظتها تركيا لعشرات السنوات. لذا، لن نبالغ إنْ قلنا إنَّ مستقبل تركيا القريب وسياساتها الخارجية الخاصة بالمنطقة العربية تبدوان مرهونتين بشكل كبير بنتائج ليلة الثلاثين من آذار/مارس الحالي.

 

 

شارك الموضوع :

اترك رداً