سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

معركة الرئاسة في تركيا

0

بعد هدوء عاصفة الانتخابات المحلية، انتقل الحديث سريعاً في تركيا نحو الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أغسطس/آب المقبل، من حيث المرشحين المتوقعين، والسيناريوهات المحتملة، وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي التركي داخلياً وخارجياً.

 

ولئن بدا أن مسألة ترشح رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان للرئاسة باتت شبه محسومة إثر رسالته الواضحة في “خطاب الشرفة” بعيد الانتخابات البلدية، ثم الأحاديث المتكررة من مختلف المستويات الحكومية عن الأمر، إلا أن تجليات الأمر ومآلاته – فيما يبدو – أعقد من ذلك بكثير.

 

اردوغان، المرشح الأوفر حظاً

ولعل الرسالة الأولى التي خرج بها اردوغان من المناسبة الانتخابية السابقة متعلقة بمسألة ترشحه للرئاسة، بعد أن اتخذت الانتخابات طابع الاستفتاء عليه وعلى سياسات حكومته. ولذلك كان طبيعياً أن يعتبر النتيجة تأييداً له ولحزبه ويرى فيها تأييداً لوصوله إلى سدة الرئاسة.

 

وبلغة الأرقام، يبدو اردوغان أقرب المرشحين إلى قصر “تشانقايا”، إذ أن نسبة %46 التي حصل عليها الحزب في المحليات، يمكن أن تصل إلى حدود %50 في أي انتخابات برلمانية، يضاف إليها أصوات بعض الأحزاب الدينية أو اليمينية (السعادة والاتحاد الكبير وغيرها)، مما يعطي مؤشراً واضحاً على إمكانية حسمه السابق الرئاسي من المرحلة الأولى.

 

وجدير بالذكر توقع حصول اردوغان على نسبة تصويت عالية في المناطق الكردية التي أعطت نتائج الانتخابات المحلية فيها إشارات دعم واضحة لسياساته المتعلقة بـ”عملية السلام” وبعد مسيرة سنوات من مشاريع التنمية والإصلاحات الديمقراطية الموجهة بشكل أساسي إلى الطيف الكردي من الشعب.

 

غول، رفيق الدرب

المرشح الثاني للرئاسة هو الرئيس الحالي عبد الله غول، الذي يتوق إلى دور آخر، يتوقع أن يكون رئاسة الوزراء في حال ترشح اردوغان للرئاسة، بينما لا تقل فرص فوزه بالرئاسة – إن ترشح – عن فرص اردوغان، إذ أنه يحظى بإجماع أكبر من رفيق دربه بفضل شخصيته الهادئة وما اكتسبه من خبرات منصب الرئاسة المعروف تقليدياً بوقوفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف كمظلة جامعة لكل الأحزاب السياسية والتيارات المجتمعية.

 

إلا أنه من غير المتوقع أن يتنافس الزعيمان (اللذان انشقا معاً عن الراحل أربكان، وأسسا معاً حزب العدالة والتنمية) على نفس المنصب، بل الأرجح أن تتم تسوية الأمر بالتشاور والتوافق بينهما، حيث يلوح في الأفق ما يشبه السيناريو الروسي بتبادل الأدوار والمناصب عبر الصناديق الانتخابية.

 

محاذير وتحديات

وبينما لا ينتظر أن يكون هناك مرشح آخر من العدالة والتنمية خارج ثنائية اردوغان – غول في غياب أي مفاجآت غير متوقعة، لا يبدو السيناريو سالف الذكر بلا تحديات قد تعيق تنفيذه أو تحيله إلى سيناريو آخر.

 

إذ أن أي مفاجآت قد تخفض من شعبية العدالة والتنمية قد تضطره إلى تغيير نظامه الأساسي بما يسمح لاردوغان بفترة رابعة على رأس الحزب والحكومة. بينما قد يفضل اردوغان رئيس وزراء أضعف من غول ليبتعد عن ثنائية القرار والتنافس بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، خاصة أنه قد أدلى بتصريحات يفهم منها أنه يسعى لزيادة صلاحيات الرئيس حال فوزه بالانتخابات، مستثمراً مادة في الدستور تقول إن من صلاحيات الرئيس “ترؤس المجلس الوزاري”، إضافة إلى احتمال اللجوء إلى استفتاء على زيادة الصلاحيات. بينما من الطبيعي أن غول الذي رضي بمنصب الرئيس شبه الفخري تاركاً مكانه في رئاسة الحكومة لصديق عمره، يريد أن يكون رئيس وزراء فاعل هو أيضاً، دون تغول من الرئاسة. تحديداً، سيريد غول من اردوغان أن يمارس الرئاسة كما مارسها هو خلال تولي الأخير رئاسة المجلس الوزاري.

 

بيد أن التحدي الأكبر الذي قد يواجه حزب الأغلبية هو تبلور تيار داخله يرفض رئاسة غول للحزب، استناداً على شائعات – قد يكون لها من الحقيقة نصيب – تشير إلى قربه من جماعة الخدمة (التابعة للداعية فتح الله كولن القاطن في الولايات المتحدة). في حالة كهذه، سيكون من الصعوبة بمكان إيجاد صيغة توافقية بين مختلف الأطراف، بما يمنع ترشح الرجلين في مقابل بعضهما البعض، تحاشياً لتشتت الأصوات الذي ستستفيد منه المعارضة، الساعية منذ أشهر لتقويض فرص استمرار العدالة والتنمية بترؤس هرمي السلطة التنفيذية.

 

مرشح المعارضة

وفق هذه الرؤية لا تبدو المعارضة التركية في وضع تحسد عليه. فقد عكست نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة محدودية شعبيتها وفشلها في استثمار أحداث كبيرة كاتهامات الفساد وحرب الحكومة مع التنظيم الموازي وغلق بعض مواقع التواصل الاجتماعي لإنزال الحزب الحاكم عن عرشه. ومن ناحية أخرى لا يبدو أنها قادرة على تقديم اسم منافس لاردوغان أو غول، لجهة الاسم أو التجربة أو الكاريزما أو الشعبية. ومن ناحية ثالثة ترتسم علامات استفهام كبيرة حول قدرتها على التخندق خلف مرشح واحد يمثلها جميعاً (وهي الفرصة الوحيدة لها لتنافس جدياً على قمة الدولة).

ففي حين يبدو أن حزب الشعب الجمهوري يمهد للدفع برئيسه السابق دنيز بايقال أو مندوب صندوق النقد الدولي كمال درويش إلى حلبة السباق، يؤكد حزب الحركة القومية، ثاني أحزاب المعارضة، أن مرشحاً يمينياً يقدمه هو سيكون أوفر حظاً في مواجهة مرشح العدالة والتنمية لقدرته (على الأقل نظرياً) على استقطاب أصوات اليمينيين والمحافظين، مما يزيد من حظوظ فوزه، شريطة وقوف الشعب الجمهوري خلفه.

 

نيسان شهر الحسم

في ضوء كل هذه المعطيات، يبدو شهر نيسان/ابريل الحالي حاسماً فيما خص قرار العدالة والتنمية النهائي إزاء انتخابات الرئاسة، بعد اجتماع مرتقب بين اردوغان وغول، سيتحدد فيما يبدو على إثره مرشح الحزب، والسيناريو الأقرب لسابق الرئاسة ثم الانتخابات البرلمانية عام 2015.

 

قرارات ستحدد، إضافة إلى اسم الرئيس وتوجهات الحزب الحاكم في معركته الانتخابية القادمة، توجهات السياسات التركية داخلياً وخارجياً، ونتائج حربها ضد التنظيم الموازي، وتأثيرات كل ذلك على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية لبلد يسعى ليكون ضمن الدول العشر الأولى اقتصادياً عام 2023.

شارك الموضوع :

اترك رداً