سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

طبول الحرب تدق في أنقرة

0

التفويض الذي أعطاه مجلس الأمة التركي لحكومته بإرسال قوات إلى سوريا والعراق والسماح لقوات عسكرية أجنبية باستخدام الأراضي التركية يضع تركيا في قلب الحرب المزمعة ضد “الإرهاب” أو تنظيم الدولة الإسلامية في كلا البلدين. نعم، قد يكون لتحرير الرهائن الأتراك دور كبير في إطلاق لسان ويد تركيا بهذه الطريقة السريعة والكبيرة، لكن الأخيرة تملك من العوامل والأسباب التي دفعتها إلى هذا القرار الكثير .

 

التطورات الميدانية في سوريا

قد يكون أحد أهم العوامل التي أدت إلى تغيير الموقف التركي من “دور سلبي وإنساني” إلى دور فاعل ستضطلع به أنقرة، هو المعارك الدائرة حالياً بين التنظيم والمجموعات الكردية في “عين العرب” أو “كوباني” وفق التسمية الكردية. فالمعركة تضع التنظيم على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية، وحصارها للبلدة يشي بإمكانية سيطرتها عليها وتماسها مع الحدود التركية بشكل مباشر.

من ناحية أخرى، يبدو أن العمليات العسكرية التي بدأت فعلاً قبل تحديد أنقرة لأي موقف واضح من التحالف قد اوصلت لها رسالة بحتمية الحرب، فكان أن قررت الأخيرة المشاركة لضمان مصالحها والحفاظ على أمنها القومي. فتركيا تدرك – ولا شك – أن الحرب لا تستهدف تنظيم الدولة – وإن كان هو العنوان المعلن – بل إعادة ترتيب الاوراق ورسم الخرائط الجغرافية والسياسية في المنطقة، وهو ما حدا برئيس الوزراء وصاحب النظريات السياسية أحمد داود أوغلو إلى القول بأنه لا يمكن “لديناميكيات القرار التركي أن تغيب حين يتم تحديد مصير سوريا والعراق”، الدولتين الجارتين.

 

ما الذي يعنيه التفويض

لا يعني إقرار المذكرة التي قدمتها الحكومة من قبل البرلمان أن تركيا ستذهب بالضرورة للحرب اليوم أو غداً، لكنه يعني بالتأكيد امتلاك تركيا سيناريوهات وأوراق جاهزة للعب حين الحاجة إليها. وفي ظل وتيرة الأحداث المتسارعة لا يبدو ذلك اليوم بعيداً جداً، في ظل استعدادات القوات المسلحة التركية وآخرها المناورات التي وصفت بأنها “تحاكي حرباً فعلية”. فأين يمكن لأنقرة استعمال هذا التفويض؟؟

سيكون ضريح سليمان شاه أحد أهم المصطلحات الشائعة في الوسط السياسي والإعلامي الخاص بالمنطقة، حيث يعتبر الضريح – وفق اتفاق بين  تركيا وفرنسا أثناء انتدابها على سوريا – أرضاً تركية، مما يعني حق (أو قل واجب) تركيا في الدفاع عنه إذا ما تعرض لهجوم. وبينما نطالع أنباء محاصرة تنظيم الدولة للضريح، وإطلاق إشاعات بين الحين والآخر عن احتجازه لبعض الجنود الأتراك (نفت المؤسسات التركية المختلفة الأمر عدة مرات)، يجب علينا أن لا ننسى أننا قد سبق وسمعنا الاسم، حين تم تسريب اجتماع أمني عالي المستوى  والسرية، وقيل وقتها أن المخابرات التركية تنوي إطلاق بعض الصواريخ على الضريح ثم اتخاذ ذلك ذريعة للتدخل في سوريا. بمعنى أو بآخر، يبقى الضريح أحد الملفات الساخنة التي يمكن أن تدفع تركيا لأتون الحرب.

من ناحية أخرى قد تدفع تطورات الوضع في كوباني (عين العرب) تركيا إلى التدخل ولو بشكل غير مباشر حتى تحفظ حدودها من اقتراب تنظيم الدولة، ودعماً لمجموعات الحماية الكردية، كما رأينا من قصف مدفعي وتغطية جوية خلال اليومين الماضيين.

 

مخاطر كبيرة

بيد أن الأمر لا يخلو من مخاطر كبيرة تكتنفها مشاركة تركيا في التحالف الدولي، حتى وإن لم تشارك في كل عملياته وتكتفي بما يحفظ حدودها. فتركيا تدرك ولا شك خطورة الاستدراج نحو مستنقع المعارك البرية غير محددة المسارات والنهايات، وتدرك أيضاً ولا شك مخاطر مواجهة إيران – حليف الأسد الإقليمي – سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حتى ولو أمنت دعماً دولياً، وقد بدأت ردود الفعل الإيرانية على لسان وزير خارجيتها الذي حذر أنقرة من مغبة زيادة التوتر في المنطقة.

من ناحية أخرى، تساور العديد من القيادات التركية مخاوف أن يكون أحد أهداف الحملة والحرب المزمعة هو تقييد انطلاقة تركيا في الاقتصاد والسياسة الخارجية تحديداً، فيكون تهديد الاستقرار طارداً للاستثمارات، بينما قد تتطور العمليات الحربية لتطال تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي خلفية المشهد، سيبدو التقارب بين المكونات الكردية في كل من سوريا والعراق أمراً مثيراً لانتباه وقلق أنقرة، ذلك أن انتصاراً عسكرياً واضحاً لهم، أو تسلمهم أسلحة ثقيلة (وفق الخطة الأمريكية)، إضافة إلى تواصلهم السياسي والجغرافي قد يعني تقوية شوكة الأكراد في تركيا وخاصة حزب العمال الكردستاني الذي يساوم الحكومة بشأن عملية السلام، الأمر الذي قد يهددها بالفشل الكامل.

 

هكذا، تبدو تركيا كمن يسير على خيط رفيق فوق نيران ملتهبة. فلا الشارع التركي مؤهل للدفاع عن مشاركة تركية في التحالف الغربي على أراضي دولة مجاورة، ولا العملية تبدو محدودة السقف محددة المخاطر، ولا يبدو أن تركيا  تملك إزاءها الكثير من الخيارات.

تبدو الحرب هنا،  بهذه الصورة الشاملة، مظلة واسعة يستظلها الجميع ليحقق منها كل طرف مصالحه الخاصة، إما القضاء على “الإرهاب”، أو إعادة تشكيل الخارطة السياسية، أو إسقاط النظام السوري، أو الاستفادة من الحرب لكسب الشرعية وتقويض المعارضة، ووحدها الأيام والأحداث كفيلة بالإجابة على عشرات الأسئلة التي تكتنف هذه الحرب الوشيكة.

شارك الموضوع :

اترك رداً