سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

حزب الشعب الجمهوري في قلب العاصفة

0

توقعت في مقالي السابق أن يكون لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة انعكاسات عدة، أبرزها في الحزب الحاكم، ثم في أحزاب المعارضة، وهذا ما حصل، ربما بأسرع مما توقعت. وتكتنف التطورات التي تدور في كواليس حزب الشعب الجمهوري أهمية خاصة، أولاً لأنه أكبر أحزاب المعارضة، وثانياً لأنه يمثل الأطياف العلمانية الكمالية في المشهد السياسي التركي.

يجدر بنا في البداية التذكير أن رئيس الحزب الحالي كمال كيليتشدار أوغلو يواجّه منذ فترة باحتجاجات قوية، في كواليس الحزب وأمام وسائل الإعلام، ولم يظهر يوماً سيطرته المطلقة على حزبه كقائد له، وذلك – باعتقادي – لعدة أسباب:

أولاً، أنه أتى إلى رئاسة الحزب إثر فضيحة جنسية لرئيسه السابق دنيز بايكال، مما جعل قيادته دائماً موضع استفهام ومحاطة بنظرية المؤامرة.

ثانياً، لأنه يفتقد الكاريزما القيادية التي كان يتمتع بها الرئيس السابق، وباقي رؤساء الأحزاب التركية.

ثالثاً، سلسلة النتائج المخيبة للآمال التي حصدها حزبه منذ توليه رئاسته، بدءاً باستفتاء عام 2010، ومروراً بالانتخابات البرلمانية عام 2011، والانتخابات البلدية في آذار/مارس 2014، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الحالية.

رابعاً، وهذا الأهم، وهو محاولة كليتشدار أوغلو الجنوح بالحزب من نزعته العلمانية النخبوية إلى صيغة أكثر قرباً من الناخب اليميني أو المحافظ، وهو ما لاقى معارضة شديدة في أوساط أعضائه ومناصريه، سيما وأن هذه السياسة لم تأت حتى الآن على الحزب بفائدة كبيرة. فمن يعارض هذا التوجه يرى أنه يُخسر الحزب بعض أبنائه التقليديين، دون أن يكسبه غيرهم من الاوساط المحافظة.

خامساً، وهي الحادثة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير، اختيار رئيس الحزب المرشح التوافقي مع باقي أحزاب المعارضة البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو دون أخذ رأي الدوائر القيادية داخل حزبه، بشكل بدا وكأنه يفرض عليهم من أعلى أو من الخارج. وبالتالي كان واضحاً للمراقبين أن خسارة المرشح ستكون فرصة لمعارضي كليتشدار أوغلو لرفع صوتهم وسقف احتجاجاتهم، باعتبار أنه يجب أن يتحمل نتيجة قراره الشخصي، وهو ما كان.

فما إن أعلنت نتائج الانتخابات حتى سارع زعيم المعارضة إلى القول بأن مرشح حزبه كان الاختيار الأفضل وأنه “نجح وإن لم يفز بالانتخابات”، الامر الذي أدى إلى موجة اعتراضات عارمة داخل أوساط الحزب لم تهدأ حتى اليوم، إذ اعتبر الكثير من قيادات ونواب الشعب الجمهوري هذا الكلام محاولة لنفي الهزيمة بطريقة لا تليق بالحزب وجمهوره.

خرج أولاً نائب الكتلة البرلمانية للحزب محرم إينجة بمؤتمر صحافي دعا فيه إلى الاعتراف “بالهزيمة الكبيرة” ومحاسبة المتسببين بها، ثم توالت تصريحات أخرى على نفس السياق، حتى وصل الأمر إلى مطالبة رئيس الحزب بالاستقالة بشكل مباشر من قبل مجموعتين لهما أهميتهما ودلالتهما، ويبدو أنهما يحظيان بدعم رئيس الحزب السابق دنيز بايكال. الأولى مجموعة من نواب الحزب وقيادييه الحاليين تتزعمهم أمينة تارهان، والثانية مجموعة من 50 نائباً سابقاً عن الحزب في البرلمان التركي بقيادة كمال أناضول، وكلاهما دعا الرئيس للاستقالة إثر فشله في إنجاح مرشحه، بعد أن “لم يستمع لتحذيرهم” من أن الاختيار خاطئ ولن يفلح.

من جهته، لم يرضح كليتشدار أوغلو للضغط وأعلن أنه هو بنفسه من سيدعو لهيئة عمومية طارئة لحزبه، يتوقع أن تجتمع بعد شهر أو اثنين، وبدا واثقاً أن معارضيه أقلية داخل أروقة الحزب، وأن سيخرج أقوى بعد هذه الهيئة العمومية بعد استبعادهم.

والأمر كذلك، فحزب المعارضة الأبرز على موعد مع أسابيع ساخنة ستحدد مصير رئيسه وربما مصيره في السنوات القليلة القادمة، وبغض النظر عمن سيخرج رابحاً من هذا الصراع، إلا أن الشيء الأكيد هو وجود شرخ كبير داخل بنيته، مما يرخي بظلال من الشك حول قدرته على الاستمرار في قيادة المعارضة مستقبلاً.

شارك الموضوع :

اترك رداً