سعيد الحاج

طبيب وكاتب فلسطيني

باحث سياسي مختص في الشأن التركي

انسحاب غول من السباق .. تجلي أزمة أم بداية انفراجة

0

بإعلانه أنه “لا يملك خطة تتعلق بمستقبله السياسي” يكون الرئيس التركي عبدالله غول قد فجر مفاجأة من النوع الثقيل بخصوص توقعات انتخابات الرئاسة ومرشحيها المحتملين. فلئن كان قد وضع النقاط على الحروف فيما خصه هو موضحاً أنه لن يترشح للرئاسة ولا لرئاسة الوزراء من بوابة العدالة والتنمية، فإنه قد فتح الباب على مصراعيه على حملة تكهنات وعدة سيناريوهات مستقبلية، ليس من بينها السيناريوهان الرئيسان المتداولان حتى الآن بما لهما وما عليهما.

ورغم أن التصريح لم يكن واضحاً جداً ومباشراً، ولأنه كان مشروطاً بتطورات “الظروف الحالية”، فإنه – إلى جانب احتمال أن لا يكون الموقف الأخير بلا رجعة – يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب وتوقيت هذا الإعلان، وآلية اتخاذه والمشاركين في صناعته، إضافة إلى ماهيته كقرار اختياري أو اضطراري.

 

سيناريو التبادل

حتى قبل إعلان الرئيس غول الأخير، كان السيناريو الأكثر حظاً وتداولاً هو نموذج بوتين – ميدفيديف، بحيث يترشح اردوغان لرئاسة الجمهورية بينما يعود غول لصفوف العدالة والتنمية ليقوده في الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2015. لكن السيناريو المذكور لم يكن مريحاً جداً وبلا معيقات.

فمن ناحية، يملك اردوغان تصوراً مختلفاً لرئاسة الجمهورية عما هو قائم الآن ومتوارث منذ عشرات السنين في تركيا، حيث يرى أن الرئيس الذي سيختاره الشعب مباشرة لأول مرة (كان مجلس الشعب هو الذي ينتخب الرئيس) يملك شرعية شعبية لم تتوفر لأسلافه، وبالتالي فلا يمكن أن يكون رئيساً بروتوكولياً، بل يجب أن “يجري ويتعب ويبذل العرق”، ولذلك فإنه في حال فوزه بالرئاسة سيستعمل “كل صلاحياته”.

ولذلك حفلت كواليس العدالة والتنمية بتحليلات وتصريحات متعددة تتكلم عن المادة 104 في الدستور التركي التي تعطي الرئيس صلاحيات واسعة (لم يستثمرها أي من الرؤساء حتى الآن) بما في ذلك رئاسة مجلس الوزراء، والدعوة للانتخابات البرلمانية، وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية. ولذلك، قد يبدو أن الرئيس غول لا يريد أن يكون رئيس وزراء مقيد الصلاحيات تحت مظلة رئيس قوي كرفيق دربه اردوغان، بل يريد أن يقود الحكومة بكامل صلاحياته.

ومن ناحية أخرى، لا تبدو إمكانية عودة غول لقيادة العدالة والتنمية سهلة جداً، إذ تتطلب استقالة أحد نواب الحزب لفرض انتخابات مبكرة في منطقته يدخل من خلالها الرئيس غول إلى مجلس الشعب (كشرط لرئاسة الحكومة)، بما يتضمنه ذلك من جرح صورة تركيا الديمقراطية التي قدمتها حتى الآن، ولذلك فقد تضمن كلام الرئيس غول الأخير انتقاداً لهذه الآلية، معتبراً عملية التبادل “غير ديمقراطية”.

وأخيراً، فإن عودة الرئيس غول لرئاسة الحزب – الذي كان قد أسسه مع اردوغان ورئسه في البدايات قبل انتهاء فترة الحظر السياسي على الأخير- بعد 7 سنوات من ابتعاده عنه قد لا تكون محبذة جداً داخل أروقة الحزب الحاكم. ليس فقط لأن الكثيرين سيرون أنفسهم أحق بالمنصب منه، وليس فقط لأن ديناميكيات الحزب الداخلية ستكون قد تغيرت قطعاً عما كانت عليه قبل 7 سنوات، ولكن لأن الكثيرين ربما لن يريدوا له أن يقود حزبهم في ظل ادعاءات قربه من جماعة كولن، سيما وأنه رغم سلاسة تعامله مع الحكومة طيلة فترة حكمه كان له بعض التباينات مع الحكومة في أحداث حديقة “جزي” وفي الأزمة الأخيرة بعد 17 كانون أول/ديسمبر 2013، حين رفض توقيع قرار الحكومة بتغيير مواقع بعض مدراء الأمن، ضمن عملية كان اردوغان وحزبه يعتبرونها “انقلاباً قضائياً” ومسألة حياة أو موت للحزب والتجربة برمتها.

 

سيناريو الاستمرار

السيناريو الآخر الذي كان مطروحاً في السابق يتضمن بقاء الرئيس الحالي في منصبه، في مقابل تغيير العدالة والتنمية لنظامه الأساسي بما يسمح لرئيسه بقيادته لفترة رابعة. إلا أن هذا السيناريو لا يبدو محبذاً من قبل رئيس الوزراء نفسه، لأنه لا يريد أن يكون أول من خرق قانوناً وضعه بنفسه حفاظاً على منظومة التغيير والتطوير لضخ دماء شابة في قيادة الحزب، إضافة إلى كونه غير مضمون الحصول تماماً، إذ يتطلب موافقة الهيئة العمومية على تغيير النظام الداخلي.

وإضافة إلى هذه الاحتمالية وعدم وضوح الرؤية، فإن الرئيس غول ربما لم يعد راغباً في المنصب شبه الفخري الذي يشغله في فترة تعيش تركيا فيها حالة استقطاب وأحداث متسارعة، ويريد أن يكون له دور في بلورة مستقبل تركيا على المستويين القريب والبعيد، الأمر غير المتاح من خلال كرسي الرئاسة بوضعه الحالي.

 

دلالات التوقيت

إلا أن أكبر مفاجآت التصريح الشهير تكمن في توقيته ودلالة ذلك، باعتباره استبق اللقاء المتوقع للرئيس برئيس الوزراء خلال أيام، حيث كانت كل تصريحات الطرفين تشير إلا أن قراريهما سيتخذان بعد هذا الاجتماع والتشاور الثنائي. إلا أن خروج التصريح بهذا الشكل المفاجئ قبل الاجتماع المنظور يشي بشيء من العتاب أو الغضب، سيما أنه أتى بعد اجتماع اردوغان بنواب ووزراء العدالة والتنمية قبل يومين للوقوف على آرائهم بخصوص الأسماء المرشحة لقمة الدولة.

ولئن كانت الأخبار التي سربت للإعلام تكلمت عن اسمي اردوغان ثم غول كمُخرجَيْن وحيدَيْن (وبهذا الترتيب) لذلك الاجتماع، إلا أن كواليس حزب الأغلبية تكلمت عن اسم ثالث (تم التكتم عليه) طرح من قبل البعض، ليكون الطرف الثاني في ثنائية الرئاسة ورئاسة الوزراء إلى جانب اردوغان، بما يستبعد غول من السباق.

ويبدو أن الرئيس غول استبق اللقاء المنتظر مع اردوغان حتى لا يبدو وكأنه اتخذ قراره بتأثير من الأخير، أو أنه اجبر عليه وفق خطة ورؤية العدالة والتنمية بقيادة اردوغان.

 

وماذا بعد؟

رغم أن تصريح الرئيس غول لا يبدو – من خلال صياغته وشرطه وسياقه – قاطعاً ولا نهائياً، إلا أنه سيكون من الصعب عليه العودة عنه، بما يعني عدة أمور:

الأول، أن حياة الرئيس الحالي غول السياسية (التي شملت رئاسة الحزب الحاكم والحكومة ثم وزارة الخارجية ثم رئاسة الدولة) في تركيا قد تكون وصلت لمرفئها الأخير، على الأقل مؤقتاً، وقد لا يعود للواجهة إلا من خلال منصب دولي (كأمين عام للأمم المتحدة مثلاً) أو في الانتخابات المقبلة بعد عدة سنين، وهذا احتمال ضعيف.

الثاني، أن ثنائية اردوغان – غول التي سادت في تركيا وشكلت وجهها المعاصر ستغيب، بما يفتح المجال أمام وجوه جديدة في قمة الدولة، منهية حالة الجمود الإيجابية التي دامت لسنوات لصالح تنوع جديد.

الثالث، أن الطريق باتت مفتوحة للعدالة والتنمية ورئيسه اردوغان، ولو من الناحية النظرية على الأقل، لترؤس قمتي السلطة التنفيذية من قبل أشخاص مقربين من اردوغان ومؤمنين برؤيته وأهدافه، والأهم حربه ضد ما يطلق عليه “التنظيم الموازي”، بما يعني أننا سنشهد تسريعاً لهذه الحرب ورفع سقفها بعد الانتخابات الرئاسية.

الرابع، توحيد العدالة والتنمية ومعه بعض الأحزاب والتيارات الإسلامية واليمينية خلف مرشح الحزب في مواجهة مرشح المعارضة، بعد بطلان السيناريوهات التي كانت تحاول الللعب على وتر الخلاف بين اردوغان وغول، بما يعني زيادة فرص مرشح العدالة والتنمية أياً كان اسمه، ذلك الاسم الذي يبدو أنه سيخرج من الصناديق في العاشر من آب/أغسطس القادم بعد انتهاء الجولة الاولى من المعركة الرئاسية.

شارك الموضوع :

اترك رداً